شعار قسم مدونات

كيف عايشت انقلابين عسكريين؟

الثورة المصرية
حينما سمعت الأخبار الأولى عن إغلاق جسر البوسفور بقوات عسكرية كنت في البيت أستعد للنوم مبكرا وخطر ببالي حينها منذ أن بدأت الأخبار تتوالى أني قد أعيش المشهد مرتين، وهمهمت: ألا يكفي هذه المنطقة من العالم هذا الانقلاب المصري المشؤوم الذي قصم ظهور الثورة العربية والحركة الإسلامية وأنصار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم أجمع؟ لكن سرعان ما ارتسمت المقارنة أمام عيني وتداعت ذكريات الانقلاب المصري المؤلمة بالتدريج مع تقدم الأحداث في إسطنبول وفي المطار القريب من بيتي. 
 

القيادات التركية حمت تجربتها ودافعت عنها بينما القيادات العربية حمت مصالحها الخاصة

رغم أن محاولة الانقلاب العسكري التركي كانت مفاجئة وغير متوقعة فإن إجماع النخبة السياسية على رفض "الضربة العسكرية" -باللغة التركية- وخروج الناس بأعداد هائلة منذ اللحظة الأولى جعل المحاولة فاشلة خاصة مع نجاة الرئيس مما دُبِّر له.

في المقابل كانت النخبة المصرية المدنية مشاركة في الانقلاب ومتآمرة معه مما جعل عنصر المفاجأة غير موجود خاصة أن خطة الانقلاب بزمانها وترتيباتها كانت معلنة قبل 30 يونيو بثلاثة شهور على الأقل وكانت الأجواء تهيئ باستمرار لإنجاح الخطة المعلنة بمشاركة مؤسسات الدولة مع النخب السياسية والإعلامية والثقافية المتورطة وكانت الغفلة سمة المخلصين في مصر بينما كانت اليقظة والصحوة المبكرة سمة المشهد التركي. لم تجد المحاولة الانقلابية التركية ظهيرا شعبيا ولا سياسيا وجاءت الإدانات الدولية لها سريعا حتى من الدول التي أعتقد أنها قد تكون متواطئة مع المحاولة الانقلابية.

لم يكن العرب أقل شجاعة من إخوانهم الأتراك بل دفعت الشعوب العربية أثمانا هائلة للحرية والكرامة وبناء نظام سياسي عادل يليق بها، ولا يسب العرب إلا لئيم، فما قدموه من أثمان لا يعدله شيء، ومن يستحق التوبيخ هم القيادات العربية الرديئة من كافة الأطياف التي ضيعت الأمانة والحقوق ولم تكن على قدر المسؤولية، والنخب الثورية والسياسية شبابًا وشيوخًا انشغلت بقضايا خاصة وجزئية على حساب المصالح العامة والمبادئ الثورية والأخلاقية، حمت القيادات التركية تجربتها ودافعت عنها بينما حمت القيادات العربية مصالحها الخاصة.

الخروج الشعبي التركي للشوارع رفضًا للانقلاب كان حاسمًا في إفشاله، بينما كان الخروج الشعبي المصري في 30 يونيو استدعاءً للعسكر حاسمًا أيضا

كان الحكم العسكري أو القبلي سمة سائدة للبلدان العربية بينما عرفت التجربة التركية تقاليد ديمقراطية رغم الانقلابات المتتالية، وحتى في ظل الانقلابات العسكرية التركية الدموية ظلت الانتخابات نزيهة وغير مزورة وسرعان ما تعود أحزاب جديدة تفوز بالانتخابات بعد أن كانت الانقلابات قد حلتها وانقلبت عليها، بينما كان الانقلاب العسكري في مصر متوقعا لأسباب مختلفة منها أنه كان امتدادا لحكم عسكري طويل لمصر التي اعتبر النظام السياسي فيها شأنًا خاصًّا بالقوات المسلحة.

في الطريق لمطار إسطنبول كانت الحشود الهائلة التي خرجت استجابة لدعوة الرئيس بالنزول للميادين والمطار في ظهوره الأول بعد أنباء "الضربة" أو لعلها كانت قررت النزول بالفعل وانتظرت ظهور الرئيس لتختار المكان. امتلأ الطريق بالمتظاهرين من مختلف أحياء إسطنبول بالسيارات على جانبي الطريق أو ضمن الحشد الهائل في وسط الطريق في الحارات المخصصة للأوتوبيسات السريعة المغلقة (المتروبص) وعند المطار كان الحشد هائلاً والهتافات عالية بسقوط الانقلاب واستمرار الديمقراطية حتى رغم أصوات الطائرات المخيفة وارتفاع عدد الشهداء.

كان الخروج الشعبي التركي للشوارع رفضًا للانقلاب حاسمًا في إفشاله، بينما كان الخروج الشعبي المصري في 30 يونيو استدعاءً لتدخل العسكر حاسمًا أيضًا، وبينما لم يكن هناك تركي واحد يؤيد الانقلاب العسكري مهما كان انتماؤه السياسي أو الفكري كان الكثير من المصريين يرغبون في استمرار الحكم العسكري الذي حكم مصر ستين عامًا مظلمة بلا انقطاع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.