شعار قسم مدونات

أول مدونة

محبرة

بادرت بقبول طلب الكتابة في "مدونات الجزيرة" والتي لا أعرف حتى الآن كيف ستختلف عن أي موقع مقالات آخر، هل قلت "مقالات"؟ ما كان ينبغي قول ذلك، إذ أن المدونة غير المقالة، هكذا يقولون عندما بحثت في غوغل "ما الفرق بين المدونة والمقالة".

بادرت لأني صحفي يؤمن أن الصحافة "تواصل"، لذلك أريد أن أجرب كل أدوات التواصل، والتواصل يعني أن يصبح للكاتب حضور وتأثير، ولكن هذا لن يكون إلا أن يكون لديه شيء يخبر به، معلومة ينقلها. لست صاحب قلم أو شاعرا رأس ماله مشاعره وبراعته في رص الكلمات، وإنما صحفي، والصحفي لابد أن تكون لديه معلومات، وكل المعلومات مهمة، ليس ضروريا أن يكون مطلعا على أسرار الانقلاب في تركيا مثلا، وهذا مهم، وثمة جمهور يريد ذلك، بل إنه في كل مناحي الحياة معلومات وأخبار هناك من يريد أن يعرفها. 
 

في زمن سطوة الصحافة الورقية اشتهر صحفيون دون غيرهم بعدما أقنعوا المتلقين (بكونهم) "واصلين"

الحكواتي في القهوة قبل مئة عام لديه معلومات، بعضها صحيح وبعضها يصنعه وأحيانا يسقطها على واقع العالم الذي يعيشه جمهوره، حتى تضبط الحبكة والإثارة، فيفهم المتلقي رسالته، حينها يتميز عن غيره من الحكواتية. في زمن سطوة الصحافة الورقية اشتهر صحفيون دون غيرهم بعدما أقنعوا المتلقين (بكونهم) "واصلين"، يعرفون ما الذي يجري في أروقة الحكومة، وكثير ما يكون هذا انطباعا وليس حقيقة، ولكنه كاف لعمل "التميز" الذي يشتهر به صاحبه. 
 

ولكن عليه قبل أن "يصل" إلى دوائر القرار أن "يصل" إلى المنصة الإعلامية أولا، ويأخذ فرصته ويجرب قدرته في التواصل والإقناع معا. ولم يكن ذلك سهلا، كان عليه إقناع رئيس التحرير أنه يستحق ذلك العمود بصحيفته. تلعب الصدفة أو الصداقة والقرابة أو حتى الواسطة لعبتها، بعد ذلك عليه أن يقنع الجمهور أنه يستحق الوقوف على تلك المنصة التي لا تتسع إلا لعدد محدود، مثله مثل المطرب والفنان، بل حتى الواعظ. 
 

منصات التواصل الاجتماعي الحرة والشعبية، ألغت دور رئيس التحرير ومحرر صفحة الرأي وكذلك الناقد. بات بإمكان "المدون" أن يعرض بضاعته مباشرة، ثم يتعلم فنون التواصل الجديدة، وأهمها "مفاتيح البحث"، فالإنترنت سوق واسع، الدليل إليه مكائن البحث مثل غوغل، وهي ليست الوحيدة ولكنها باتت الأقوى والأهم.

يعجبني أن أروي للأصدقاء ما أسمعه وأشاهده، كأنني حكواتي سياسي

حتى الآن لم أحاول أن استخدم هذه المفاتيح، ذلك أنني جديد على التدوين، ربما سأفعل ذلك عندما أكتب في مواضيع محددة في الغالب ستكون حول السياسة والرحلات ومشاهداتي خلالها، فهو ما أجيده، إذ يعجبني أن أروي للأصدقاء ما أسمعه وأشاهده، كأنني حكواتي سياسي. 
 

تعجبني قصص المدونين الذين أحبوا التدوين لذاته، تواصلوا فقط مع دائرة محدودة من الأهل والأصدقاء، ثم انتشروا وحظوا بشهرة، أولئك لديهم معلومة إضافية جذبت إليهم القراء، وليس بسبب أسمائهم وشهرتهم. بعضهم اشتهر عندما عرض تجاربه العادية في الحياة، تربية الأطفال أو المطبخ، أو حتى بتقديم النصائح والعون لاستخدام البرامج الإلكترونية الجديدة، كلنا نستخدم مثلا برنامج "أوفس " للكتابة، مثلي الآن، ولكننا لا نعرف كل أدواته، نعرف فقط ما نستخدم، شخصيا أتمنى من يدلني على طريقة لتكبير حجم الحرف عندما أفتح أدوات التصحيح الإملائي بدون أن أكبر كل الشاشة، لم أجد حتى الآن من يدلني على ذلك. 
 

قلت غير مرة، في مؤتمرات الإعلام العربية والتي راج (فيها) عقد جلسات لمناقشة تحولات الإعلام والصحافة، خاصة السؤال الكلاسيكي عن مصير الصحافة الورقية: إنني لو كنت أستاذا للإعلام، فلن "أطبع" كتابا عن قواعد الصحافة، لأن تلك القواعد ستتغير قبل أن تصل مسودة الكتاب للناشر، إنها في حالة سيولة هائلة، بكل مناحيها، من الشكل إلى المضمون، حتى أوعية التواصل تتبدل، ليس بسبب التسارع في تقنيات جديدة، وإنما حتى مزاج المتلقين الذي يتنقل حيثما يحمله الهوى، لذلك الأفضل أن أجعل كتابي "مدونة" أضيف إليها وأحذف، فليس هناك شكل واحد للمدونة، ولا للمقالة، ولم يعد هناك أسلوب متفق عليه، ولا حتى شكل واحد للمواقع الإخبارية.
 

المهم أن أكون قادرا على فهم رغبات المتلقين، والاستجابة لها، والتكيف معها، هذا ما سأفعله في مدونتي هذه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.