شعار قسم مدونات

اليمن ذلك الكوكب المجهول

blog yemen

أنت في اليمن.

حيث رائحة "البارود" الخانق، وفوهات "البندقية" المسكونة بأصابع الموت، وتلك "المجاميع" الزاحفة من أروقة الجبال لا تعرف "ثورة القلم" ولا رفوف المكتبات، ولا تهتم للعالم كيف يصنع الحياة، سوى أصوات "الرصاص" الزاجل يمطر الجنبات.

ريشات يحملها "فنانون" لا يعرفون "الفن"، لكنهم يرسمون صورة اليمن بالدم المسال في الطرقات، ويتفننون في القتل ليجعلوا منه "اللغة الرسمية" لهذا البلد، ويوغلون في الإثخان.
 

هذه "الطبعة المزورة" من اليمن وليست "النسخة الأصلية" التي ننتظر أن يعثر عليها "حكيم بارع" يقود الناس خلفه إليها

أنت في اليمن.!! تلك البقعة الداكنة التي لا تعرف عنها شيئا سوى ذلك "الأكشن" المتعدد السيناريوهات، وتلك الأيام الحبلى بالمفاجآت.

ما زلنا نبحث عن "الباسورد" الضائع هنا وهناك، أو نحلم "بالمصباح السحري" المفقود، أو نجمع "كرات التنين" المتبعثرة في الأرجاء، كي نحقق أمنية واحدة تبعث الريادة من مرقدها، وربما تحييها بعد رميم.
 

قال: هل هذا "اليمن" الذي تنتمي إليه؟
قلت: كلا. إنما هذه "الطبعة المزورة" وليست "النسخة الأصلية" التي ننتظر أن يعثر عليها "حكيم بارع" يقود الناس خلفه إليها.
ثم استرسلت أشرح له ملامح تلك اللوحة المنسيَّة في تفاصيل اليوم القاتمة.

اليمن يا صديقي: ذلك البلد الذي حباه الله بكنز مختلف ألوانه، ما تنتجه "تربته" الذهبية، ويحتضنه "البحر" الثمين، وتسفح به "الجبال" الشامخة، وتدخره "بواطن" الأرض؛ شيء يعجز عن وصفه "قلم مستخدم" أو تستوعبه إحدى الجلسات.

كأني بهذا البلد يمد العالم بمختلف الخبرات النادرة، والعقول المبدعة، وبراءات الاختراع، وأنواع المواد الخام النقية، وأشياءٍ أُخر.

لكأنك -يا صديقي- بنكهة "البن" اليمني النادر تحتسي حُبيبات القهوة المطحونة على كرسي في إحدى المطارات العالمية، وتتذوق ملعقة من "العسل" الحضرمي الفائق الصنعة في إحدى رحلات الطيران، وتتسلى بحبة "موز" لحجيّة منقّطة تباع بالعملة الصعبة في تلك البلدان، وتمضغ أقراص
"الزبيب" العلاجية وكأنه إنتاج أوحد لا تنافس فيه دول الأصقاع.

وتطوف أسواق الفواكه والخضار لترى ما أنجبت الأرض اليمنية من خيرات، من ألوانٍ مشبعةٍ كأنها علبة ألوان زاهية البهاء.

تهتف بك "مأرب" بحضارتها وآثارها، و"حضرموت" بناطحات سحابها، و"عدن" بسواحلها و"سقطرى" بطبيعتها النادرة البكر و"تهامة" بأراضيها الخصبة و"الجوف" بترابها الثمين، و"تلك القرى" تستدعي الإبهار.
 

وفوق كل ذلك تاج "الحكمة" النبوي يعلو مفرقها تتباهى به، و"نَفَسُها" الرحماني يغزو الآفاق، لكن هذا "الميراث" الهائل، وتلك "الثروة" الثرية تتمنَّع عن أقوام لم يحسنوا التعامل معها، ولم يفكروا بمستقبل زاهٍ يشرق من بين الهضبات.

طالما أن الإنسان يقف في طريق نفسه، يبدو كأن كل شيء يقف في طريقه

هذا الميراث الضخم مزقته "الخصومة" السياسية السافرة، ودكه "الفجور" السياسي الآثم، وأحرق زرعه شرر "الانتقام" المتطاير يلفح كل الأشياء، وسعير "الحقد" يقفز حمما كالبركان.

أيها اليمنيون: انقلبتم بقعة داكنة، تتصاعد منها الأدخنة السوداء، تتنفس شهيق "البارود" وتطلق زفير "الحرب" الخرفة تهلك الحرث وتدك أسوار العقل. أطلقوا الخير الكامن في أعماقكم، وأمدوا العالم ببقعة من الأرض ولود.

كتب الفيلسوف العظيم للرسوم الهزلية "بوغو" (pogo) "طالما أن الإنسان يقف في طريق نفسه، يبدو كأن كل شيء يقف في طريقه".

في ولاية "ألاباما" الأميركية نُصب تمثال ضخم "لخنفساء القطن"، وكانت تلك هي العلامة التجارية للبلدة، يقول "نيدوكوبين" في كتابه الذائع الصيت "كيف تحصل على أي شيء تريده" سألت: لماذا خنفساء القطن؟

أجاب أحدهم: منذ سنوات كثيرة استند اقتصاد "إنترابرايس" برمته على زراعة القطن، كانت بلدة زراعية صغيرة وفقيرة لا مستقبل لها، قضت "خنفساء القطن" على المحصول برمته واستهلكت كل الأميال، ولسنوات طوال تضوَّر الناس جوعا. أحدهم خطا إلى الأمام واقترح أن تنوع البلدة محاصيلها وتحاول جذب بعض الصناعات، هذا ما حدث بالضبط، وكما ترى، كانت النتيجة اقتصادا مزدهرا، ذا قاعدة عريضة.

ولولا "خنفساء القطن" لكنا مأسورين إلى القطن. إنها بطلنا!!.

فمتى ستظهر عندنا "خنفساء القطن"؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.