شعار قسم مدونات

القضايا الرابحة.. الانتخابات الأردنية نموذجا

blog-انتخابات الردن

في موسم الانتخابات، حيث الدعاية الانتخابية تهتك فراغ الشوارع وتتربع في كل مكان قد تلتقي به عينك، لا بد لك وقتها مرغماً أن تأخذ جولةً على شعارات المرشحين وكذلك صورهم بالضرورة.

بعيداً عن سوء فهم القانون أو سوء استغلاله، حيث تجد أن أغلب الدعايات الانتخابية فردية مع أن القانون لا يسمح بالترشح سوى على مستوى قوائم تضم ثلاثة أفرادٍ على الأقل وبعيداً عن أماكن وضع الدعايات وتغطية الإشارات والشواخص المرورية،  وسوء التصاميم، والممارسات الفاشلة من تمزيقٍ لإعلانات المنافسين و تشويهٍ لصورهم،  بعيداً عن كل هذا سأتطرق هنا لشعارات المرشحين محاولاً تحليلها قدر المستطاع.

من أشهر القضايا الرابحة في المعركة النيابية محاربة الفساد إذ يغوي هذا الشعار الناخب الذي أنهك الفساد جيبه

لطالما كان المشروع الوطني الأردني مهمشاً لا يُحكى عنه في مثل هذه الانتخابات، على الرغم من أنها انتخابات تشريعية إذا ما قُدِّر للمشروع الوطني النضوج فسينضج من تحت أيدي من تفرزه هذه الانتخابات، لقد كانت الشعارات في الدورات الماضية تركِّز وبشكلٍ أساسي على الجانب الخدماتي، الذي هو بالأساس وظيفة المجالس البلدية التي لها انتخاباتها الخاصة.

ولكن وفي هذه الدورة على وجه التحديد نرى نفساً مُغايراً لدى معظم الناخبين،  إذ يكثُر الحديث عن مشروعٍ وطنيٍ أردنيٍ خالص يرفع مكانة الوطن ويحقق كرامة المواطن، وقلَّ الحديث بشكلٍ ملحوظ عن كون الأردن أرضاً "للحشد والرباط" وعن وظيفية الدولة، على الأقل علناً وأمام الناس.

إنَّ من أهم أسباب هذا التحوِّل العظيم هو نشوء تحركات تنظيرية أعلت من شأن المشروع الوطني الأردني،  وصدّعت رؤوس خصومها به رغم قلة تحركاتها في أرض الواقع،  فقد نجحت هذه التحركات كمبادرة "زمزم" مثلاً في خلق حالة وطنيةٍ تتغنى بمشروعٍ وطنيٍ أردني خالص.

لم تغب القضية المركزية -كما يسميها معظم المرشحين- "قضية فلسطين" عن الواجهة، فالقدس قضية لا شك رابحة في بلدٍ لصيقٍ بفلسطين، ونصف سكانه تقريباً ممن هاجروا من غرب النهر،  فلا عجب في أن ترى شعارات رنانةٍ من قبيل "تحرير فلسطين"،  "لا بديل عن القدس إلا الجنة"، "كل بوصلة لا تشير للقدس مشبوهة".. قد غزت شوارع عمان، ولا عجب إن رأيت أسماء للقوائم الانتخابية "تدحش" القدس والأقصى داخل اسم القائمة؛ لا لشيء إلا ليكسب حفنة من الأصوات قد تعطيه إياه هذه القضية "الرابحة"، ولا تعجب إن دققت في أرشيف بعض المرشحين الرافعين لهذه الشعارات ووجدته قد صوّت لصالح الاستثمار "الإسرائيلي" في المملكة عندما كان نائباً أو صوّت لصالح اتفاقية وادي عربة مثلاً في الزمن الغابر.

ومن أشهر القضايا الرابحة في المعركة النيابية، محاربة الفساد إذ يغوي هذا الشعار الناخب الذي أنهك الفساد جيبه، والذي يرى في منظومة الفساد العدو الأكبر له ولأبنائه وللوطن، ولكنّ العجب كل العجب أن تصدر هذه الشعارات من مرشحين كانوا نواباً سابقين، وقد صوتوا ضد ترحيل ملف الفوسفات "من أضخم ملفات الفساد" إلى القضاء، ومن أُناسٍ آخرين سُربت لهم مقاطع مصورةٍ تكشف أنهم متورطون حتى آذانهم في قضايا قد عكّرت على المواطنين عيشهم، وأغرقت البلد في دواماتٍ من المشاكل الاقتصادية والسياسية.

المعيار الأول للناخب في مجتمعٍ لم يتعامل مع السياسة حقيقةً ولا يملك وعياً سياسياً كافياً هو المعيار العشائري

قضية الشباب والمرأة من القضايا الرابحة إلى حدٍ ما وتبرز في الدوائر الانتخابية في المناطق التي يقطنها أبناء الطبقة المتوسطة الذين تستهويهم مسائل المساواة بين الجنسين وتمكين الشباب والمرأة، ولكن من الغريب أن ترى مثل هذه الشعارات في قوائم لا تحوي امرأة واحدة أو تحوي امرأة جُعلت في ذيل القائمة علّها تجلب بعض الأصوات وتنافس على مقعد "الكوتا"، وفي قوائم أصغر مرشحيها قد قارب على الستين وكأنهم يترشحون للقبر لا للبرلمان. 

إن تمكين الشباب والمرأة لا يتم من خلال شعارات تهدف لدغدغة عواطفهم والحصول على أصواتهم، إنما يتم بممارساتٍ فعليةٍ ليس أقلها أن يعطوا فرصةً لتمثيل شرائحهم داخل البرلمان، فرصاً حقيقية وثقةً مطلقة، ولكم بالقوائم التي يقود حملتها الشباب وتميزها خير دليلٍ وبرهانٍ على كفاءتهم وإبداعهم.

إن قليلاً من الواقعية في رؤية المشهد تخبرنا أن كل ما قد قيل من قضايا رابحة في هذه التدوينة لا يؤثرعلى أكثر من 10% من الناخبين فقط، وأن المعيارالأول للانتخاب في الأردن لا يعتمد على الكفاءة ولا البرامجية الحزبية، فالأحزاب تحتاج فعلياً إلى "كوتا" كالكوتا النسائية لدخول البرلمان.

إن المعيار الأول في مجتمعٍ لم يتعامل مع السياسة حقيقةً ولا يملك وعياً سياسياً كافياً هو المعيار العشائري، فالناخب في بلدي لا ينتخب المرشح لبرنامجه أو لانتمائه السياسي بل هو في الغالب ينتخب المقطع الأخير من اسم المرشح مقطع "العشيرة"، وكل محاولات تغيير هذا الواقع انتهت بفشلٍ ذريع،  فانتخاباتنا الأردنية لا يتحكم بها سوى قوة العشيرة وبعض المال السياسي وتدخل أجهزة الدولة أحياناً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.