شعار قسم مدونات

التجربة الشهابيّة

blogs-فؤاد

بعهد الرئيس اللبناني كميل شمعون بدأت شرارة الصراع اللبناني اللبناني، حينها لم يتدخل الجيش لسحق المعارضين كما كان يريد الرئيس، بل وقف الجيش على حياد ما عدى تدخلات بسيطة لمنع المعارضة من الوصول إلى المرافق العامة والقصر والمطار وغيرها من المرافق السيادية للدولة.
 

آنذاك كان قائده فؤاد الشهاب، وبحكمته جنب لبنان من الانزلاق في الصراع بعهده أكثر من مرة، خصوصا في عام 1958 عندما حُفرت الخنادق وأقفلت الأسواق وبرز العصيان المسلح والمظاهرات وأوشك اللبنانيون على الدخول بحرب أهلية خلال تلك المرحلة.
 

عندما استدعى الرئيس كميل شمعون قوات أميركية للتدخل ووصلت هذه القوات إلى بيروت، استطاع شهاب بعلاقاته أن يحيّدها ويمنع تدخلها، ليتم انتخابه بعد ذلك من قبل مجلس النواب رئيسا للبلاد كحل أجمعت عليه كل القوى، لتستقر الأوضاع بعدها ويشهد لبنان في عهده ازدهارا غير مسبوق كان له فضل بناء مؤسسات الدولة اللبنانية الحديثة، ورفع الرئيس شهاب شعار "لا غالب ولا مغلوب".
 

أدرك اللبنانيون مكانة ودور الرئيس فؤاد شهاب بعد أن ترجل عن عرش السياسة وعادوا إلى نقطة البداية ليجدوا أنفسهم في حرب أهلية عمياء خسر فيها الجميع ولم ينتصر أحد.

طبعا لم يكن طريق الرئيس شهاب مفروشا بالورود في البداية، بل وقعت أحداث عنف شنها حزب الكتائب اللبناني والموالون للرئيس السابق شمعون، متذرعين بتصريح لرشيد سلامة قال فيه "الآن جاء وقت قطاف ثمار الثورة"، بما يعني أن هذا التصريح يوحي بوجود غالب ومغلوب ويتعارض مع منطق التوازن المتفق عليه. لكن الرئيس الجديد استطاع بحكمته أن يحتوي الأمر بحل سياسي لهذه المشكلة، ليعود الاستقرار من جديد وتنتهي أحداث العنف حينها. 
 

ذهب شهاب وبقي خالدا بالذاكرة العربية واللبنانية على وجه الخصوص كواحد من أنزه وأبرز السياسيين الذين خدموا الإنسان العربي، وقاد لبنان في أخطر مراحله إلى بر الأمان.

أدرك الجميع مكانته ودوره بعد أن ترجل عن عرش السياسة اللبنانية، وعاد اللبنانيون إلى نقطة البداية ليجدوا أنفسهم في حرب أهليه عمياء خسر فيها الجميع ولم ينتصر أحد.
 

بعد أن أنهكت الحرب أطرافها جاء على أنقاض الدمار اتفاق سياسي انتهت بموجبه الحرب وتعايش اللبنانيون مع بعضهم على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، نفس القاعدة التي تأسس عليها النهج الشهابي -هذا حدث بعد خراب لبنان- وبالعادة فإن الحرب الداخلية لا أحد فيها منتصر، ومهما توهَّم طرف بالنصر فإنه بعد حين يدرك مرارة الخسارة إن لم يدركها بنفس الوقت، فما إن تبدأ حرب بأي بلدا إلا كان فيها الجميع خاسراً مهما كانت نتائج هذه الحرب.
 

بما أن ثقافة القطيع هي السائدة بين الشعوب العربية التي تنجر خلف السياسيين إلى أي اتجاه دون وعي، فإن شخصاً واحداً بموقع القرار يؤثر كثيراً، سلبا أو إيجابا. وإن وجد شخص يمتلك الشجاعة والحكمة بهذا الموقع ربما يكون بإمكانه أن يجنّب البلاد ويحمي إنسانها من مخاطر الاحتراب.
 

هذا ما يمكن استخلاصه من التجربة اللبنانية، فهل سيظهر اليوم شهابيون جدد لينقذوا العرب في سوريا وليبيا واليمن من هذه الحروب الطاحنة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.