شعار قسم مدونات

قراءة في التاريخ العربي

blogs - hist

يعدُّ التاريخُ العربي مِن أهمِ مكونات الحضارة العربية، وقد ساهمَ في نقلِ العديد من القصص، والأحداث إلى الأجيال الحديثة من خلال الكُتُب، والمُؤلفات التي وصلتنا من الماضي سواءً المحفوظة في المكتبات، أو التي تمَّ تناقُلُها بالتوارثِ من جيلٍ إلى جيل.

 

يحتوي التاريخُ العربي على الكثير مِن المراحل المفصلية، التي ساهمتْ في تغيير شكلِ خارطة العالم، ولا أقصدُ هنا الخارطة الجغرافيّة فقط بل أقصدُ الخارطة الفكريّة، والعلميّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة التي أدتْ إلى بناءِ العديد مِن الحضارات المُتأثرة بالحضارةِ العربية. لكن للأسف يَتعرضُ التاريخُ العربي إلى تشويهٍ وتغييرٍ في العديدِ من الحقائقِ التاريخيّة، التي أدتْ إلى تبديلِ الكثير مِن الوقائع التي حدثتْ في الماضي، والهدفُ من هذا التشويه هو استبدالُ التاريخ العربي، بتاريخٍ مُستوردٍ بعيدٍ عن أي أصالةٍ تاريخيّة.

توجد العديد من القصص والأحداث التي يجبُ إزالتها من المناهج الدراسية حتى يتم بناءُ صورةٍ صحيحةٍ حول التاريخ العربي عند الطلاب العرب.

مِن أهمّ مظاهر تشويه التاريخ العربي تأليفُ الأقوال ونَسْبِهَا إلى عُظماءِ الأمة العربية، وصناعةُ أحداثٍ غير حقيقيةٍ تحتوي على قِصَصٍ لا وجود لها في الواقع، إلا على صفحاتٍ كَتَبَها بعضُ المُؤرخين في الغرب الذين يهدفونَ إلى ضَعْضَعةِ التاريخ العربي.

إنّ تلك القِصص المزورة التي أُضيفتْ لصفحاتِ التاريخِ العربي أصبحتْ جُزءًا لا يتجزأُ مِن الثقافة العربية المُستحدثة، وخصوصًا أنّها باتت موجودةً ضِمنَ الدُرُوس في كُتُب التاريخ في المدارس، والجامعات التي يتعلمُها الطلاب وتحولت مِن مُجردِ قِصَصٍ تمّ تناقُلُها تاريخيًّا دون التأكد من مصادر أغلبها، إلى حقائقَ واقعيةٍ لا يجوزُ نفيها، أو تغييرُ مضمُونها.
 

توجدُ العديدُ مِن القصص، والأحداث المعروفة بين الناس التي تحتاجُ إلى تصحيحٍ، ولا أُبالغُ إذا قلتُ إنّه يجبُ إزالتها من المناهج الدراسية حتى يتم بناءُ صورةٍ صحيحةٍ حول التاريخ العربي عند الطلاب، الذين يمثلون فئةً مهمةً من فئات المُجتمع العربي، وتاليًا بعضٌ من تلك القِصص:
 

تنسبُ مقولةُ "البحرُ من ورائكم، والعدوُّ من أمامَكم" إلى القائدِ العربي طارق بن زياد فاتح بلاد الأندلس، ويُقالُ إنّ القائدَ طارق بن زياد قال هذه المقولة لتحفيزِ جيشه بعد أن أحرقَ السُّفُن البحرية لأسطوله. ولكن الحقيقة أنّ هذه السُفن ليست مُلكًا للقائدِ طارق بن زياد، بل هي مُلكٌ لحاكمِ شمال إفريقيا القائد موسى بن نصير، الذي منحها لجيشِ طارق بن زياد حتى يتمكن من الوصول لبلادِ الأندلس، فكيف يحرقُ القائد طارق بن زياد شيئًا لا يملكه؟!
 

إنّ القائدَ طارق بن زياد دخلَ الأندلس، ولم يحرق أي سفينةٍ من السُفُن، أو يفكر بقولِ تُرهات الكلام لجيشِهِ، فلو أحرق السفن لحكم على نفسه، وعلى جيشه بالموتِ المُحقق في حالِ فشل في فتح بلاد الأندلس، فهل قائدٌ بحجمِ طارق بن زياد سوف يرتكبُ هذا الخطأ؟! أما حقيقةُ هذه المقولة فهي أنّ المُستشرقين والمُؤرخين الأوروبيين الذين أرادوا تشويه انتصار القائد طارق بن زياد الموثق في كُتُبِ التاريخ العربي والعالمي، فقاموا بتأليف تلك المقولة من أجلِ الدلالة على ضعفِ الحنكة العسكرية عند هذا القائد العربي، وعدم قدرته على إدارة المعركة منذُ بدايتها، وأنه لم ينتصر إلا بالصدفة، وغَفِل أولئك المؤرخون عن أن إنجازات القائد طارق بن زياد تشهدُ بتفوقه العسكري، وذكائه في قيادةِ الجيش.
 

إنّ التاريخَ العربي لا يقلُّ أهميةً عن تاريخ أي حضاراتٍ أخرى، لذلك يحتاجُ من العرب كافةً إلى أن تتضافرَ جُهودهم من أجلِ المُحافظةِ على أصالتِهِ العربية

من القصص الأخرى التي لا يوجدُ أي سندٍ أو دليلٍ على صحتها مقولة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، المنسوبةُ إلى الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- التي أصبحت من الدروس الموجودة في المناهج الدراسية في المدارس، وتخبرُ عن قصة الغلام الذي ضربه ابن القائد العربي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فاشتكى ذلك الغلام للفاروق الذي عاقب عمرو بن العاص على ما فعله ابنه. لكن لو دققنا في بدايةِ المقولة كما وَرَدَ نصُّها كاملا في الكُتب، لوجدنا الحقيقة التي تشيرُ إلى أنها ليست إلا افتراء ولا صحة لها، فهي تبدأُ بكلمةِ "حُدِّثنا" أي أن الراويَ مجهولُ الهوية، فهل يعتبرُ ثقةً من لا هوية له؟ وأيضًا منذُ متى كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لا يُطبِّقُ العدلَ بين الناس وهو المُعروفُ بالفاروق؟ فيُعاقب القائد عمرو بن العاص على الخطأ الذي ارتكبه ابنه.
 

للأسف توجدُ الكثيرُ من القصص التاريخية المُتوارثة بين الأجيال، والمحفوظة في الكُتُب دون التأكد من صدقها، أو صحتها، أو التفكير في الرجوعِ لمصادرها الرئيسية التي تعتمدُ على سندٍ صحيحٍ لروايتها، حتى لا يقع الإنسانُ العربي في الفخِّ الذي يجعله ينسى ماضيه الأصيل.
 

إنّ التاريخَ العربي لا يقلُّ أهميةً عن تاريخ أي حضاراتٍ أخرى، لذلك يحتاجُ من العرب كافةً إلى أن تتضافرَ جُهودهم من أجلِ المُحافظةِ على أصالتِهِ العربية، والتاريخية العريقة، التي تشيرُ إلى ماضٍ عربيٍّ مشرقٍ أدى إلى جعلِ العَرب أساسًا من أساسات نهوض العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.