شعار قسم مدونات

الطريق إلى سانتياغو

blogs - sentiago
كانت ليلة الثالث والعشرين من شهر فبراير عام 2015 باردة جدًّا في ولاية ميشجن الأمريكية الوسطى التي تسمى بولاية البحيرات العظمى وكنت مع صديقي ناصر وابن عمه فايز نتجاذب أطراف الحديث وكما يغلب دائمًا على نقاشاتنا الحديث عن كرة القدم، تناولنا موضوع كوبا أمريكا لعام 2015 وكيف أنها ستقام في دولة تشيلي الجنوب أمريكية. مازحاً تحديتهما بالذهاب إلى هناك ومشاهدة ولو بعض المباريات شخصيًّا بدلًا من المتابعة عبر التلفزيون. انقلب المزح إلى الجد وقبلنا جميعاً التحدي أن نذهب سويًّا في يونيو إلى دولة تشيلي كي نحضر المباريات.
 

كانت هناك مشكلة كبيرة تواجهنا وهي أن المباريات تبدء 11 يونيو وشهر رمضان يبدأ يوم 17 يونيو ولهذا كان لدينا فقط 5 أيام للاستمتاع بالرحلة. حجزنا التذاكر وقررنا السفر يوم الجمعة 10 يونيو إلى تشيلي. عند تأكيد الحجز لتذاكرنا جميعًا صباح يوم الجمعة، لم أتمكن من الحصول على بطاقة السفر لناصر لسبب غامض وقلت لنفسي إنه يمكن أن تكون هناك مشكلة تقنية لكن تبين بعد ذلك أن صديقي موضوع على "قائمة المراقبة" أو ما يسمى بالإنجليزية، ووتش لست.
 

علمنا ذلك عندما وصلنا المطار وصار الموظف مرتبكًا عندما تسلم جواز ناصر وبدأ اتصالاته المتعددة التي طالت لمدة 45 دقيقة ونحن ننتظر إقلاع الطائرة التي ستأخذنا إلى أتلانتا. عندما طبعت بطاقة السفر أخيرًا لناصر وجدنا أن عليها رمز SSSS وهو غالبًا ما يوضع على الذين يشتبه في أن يكونوا خطرين ويجب أن يتم بحثهم جيدًا احترازيًّا. صديقي ناصر قد سبق أن سافر إلى الشرق الأوسط في السنوات الماضية وقد صارت عادة للمطارات الأمريكية أن تراقب أولئك الذين يسافرون باستمرار إلى بلدان كاليمن وغيرها. توكلنا على الله وأقلعت الطائرة بعدما كنا آخر من يصعدها لتأخرنا مع التفتيش الصارم في المطار ووصلنا إلى أتلانتا ومن ثم إلى مطار سانتياغو العاصمة. وصلنا صباح يوم السبت العاصمة ولم تسفعني إسبانيتي البسيطة في أن نتفاهم مع شركة حجز تأجير السيارات وبعد جدل كبير وعبر مترجم أجرنا سيارة صغيرة وكان علينا السفر مباشرة إلى مدينة لاسرينا الشمالية التي تبعد عن سانتياغو تقريبًا 473 كيلومترا (تقريبًا خمس ساعات ونصف) لحضور مباراة الأرجنتين والباراغواي. لتشيلي الساحرة قصة أخرى وتدوينة أخرى سأوردها لاحقًا ولكن ما أود أن أورده في هذه التدوينة هو معاناتنا عند العودة إلى الولايات المتحدة.
 

عندما توجهنا إلى البوابة تم إيقافنا ولاحظنا أن الرمز SSSS قد تم إلصاقه بتذاكرنا جميعًا، وهو رمز الاشتباه في الخطر والحجز الاحترازي

بعدما استمتعنا بمشاهدة ميسي في مدينة لاسرينا وحضور مباراة لبوليفيا وكولمبيا في مدينة فالبارسيو الجبيلة، وأجواء سانتياغو في مباراة للمكسيك وتشيلي انتهت بـ3 أهداف لكل فريق، عدنا إلى الولايات المتحدة. قبل السفر بساعات، ضاع هاتفي النقال في إحدى الأسواق وبعد جهد جهيد واستدعاء الشرطة حصلنا عليه وأكملنا طريقنا إلى المطار. عندما أعدنا السيارة الصغيرة للشركة، وتوجهنا إلى البوابة تم إيقافنا جميعًا ولاحظنا أن الرمز SSSS قد تم إلصاقه بتذاكرنا جميعًا وليس فقط ناصر!
 

تم تفتيشنا كل على حدة تفتيشا دقيقا الشيء الذي رأيناه تمييزا عنصريا وصعدنا إلى الطائرة متوجهين إلى آتلاتنا. عند وصولنا ونزولنا من الطائرة كان هنالك ضابطان منتظران لنا في آخر سلم الطائرة. قلت لصديقي ناصر يا للعجب! أؤكد لك أنهما ينتظران حضراتنا! وبالفعل أخذنا الضابطان وتعدينا كل الطوابير ودخلنا إلى مكاتب التفتيش حيث تم تفتيش حقائبنا ومساءلتنا على جنب. أما ناصر فتم أخذه إلى غرفة مغلقة للاستجواب! سألني الضابط الذي هو من أصول أفريقية والآخر الذي هو من أصول أوروبية عن آخر مرة زرت فيها اليمن. تعجبت من سؤاله وأجبت بأن آخر زياراتي لليمن كانت عام 2003. سألني عن إذا كان ما زال لدي أقارب في اليمن. أجبت: نعم، جدتي. قال لي أطلت في غيابك عن جدتك. أجبت بالفعل. عندما تستقر الأمور سأذهب لأزورها. نظر إلي بإمعان برهة وقال لي يمكنك الانتظار حتى يأتي زميلك.
 

وبينما أنا وصديقي فايز ننتظر ناصرًا، إذ بشاب أشقر يقعد إلى جانبنا فسأله فايز مازحًا: وأنت، ما هي شبهتك؟! بعد حديث قصير معه تبين أنه كان في الهندوارس يبشر للمسيحية ومذهبها الجديد المورمن. عاش في الهندوراس أكثر من 5 سنين! لم يتبق للطائرة سوى حوالي 25 دقيقة ولهذا أسرع الضباط في استجواب ناصر الذي أبدى مدى استيائه من الاستجواب الدائم والأسئلة التي تتعلق بالحالة السياسية لليمن وعن ما إذا كان يؤيد بعض الأطراف هناك. لحسن الحظ كانت فترة الانتظار بين الرحلتين 50 دقيقة فقط ولهذا لم يطل الاستجواب.
 

أخذت حقيبتي وتوجهنا إلى الطائرة لنقلع سويًّا إلى مطار ديترويت وعدنا لعائلاتنا سالمين. بعد التحدث مع كثيرين من المسافرين من أصول عربية اتضح أن معظم المسافرين دائمًا ما يلاقوا المعاملة ذاتها أو أشد من قبل موظفي المطارات. قد نتفهم مدى حرص الوحدات الأمنية على أمن المسافرين ولكن أن يتم معاملة المسافرين الآخرين ذوي الأصول العربية أو المسلمة بهذا التعسف، فليس ذلك مقبولاً في بلاد الحرية والدستور العادل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.