شعار قسم مدونات

آخر محاضرة

blog فلسطين

رنّ المنبّه، إنها المرة الأولى التي أستيقظ فيها بكلّ نشاط لأذهب للجامعة مع أنّ كل ما نمته ليلا لم يتجاوز ساعتين، لكن وبما أنها المرة الأخيرة التي سأستيقظ فيها مبكرة هكذا، سائرة إلى حيفا نحو المحاضرة الجامعية الأخيرة في مرحلة البكالوريوس، فإنّ النعاس قد طار وحلّت محله الحماسة.

 

آخر محاضرة لي كانت عبارة عن مؤتمر نظمه قسم العلوم السياسية في الجامعة بحضور عدد كبير من المحاضرين الكبار والمتمرسين في بحث الصراعات، وكان الحديث هذه المرة عن "الصراع العربي الإسرائيلي". 
 

من الملفت أنه تكررت كثيرا ضمن المحاضرات كلمتا الصلح والسلام.. الأمر الذي دفع أحد الحاضرات للتساؤل جديًا عن معنى هاتين الكلمتين!

رحّب المتحدث الأول ومنظم المؤتمر بالجمهور "الشحيح" وتلته المحاضرة الثانية ورئيسة القسم بتعليق حول إعادة التفكير مرة أخرى في معنى كلمة "شحيح"، إذ حضر في الصف الأول والثاني المتحدثون الذي سيعتلون المنصة خلال اليوم، وفيما بعده حتى الصفوف الأخيرة مسنّون وجدوا فراغا لديهم فحضروا للاستماع لعل شيئا تغير من أيّام أوسلو (وهذا جواب مسنٍّ سألته لماذا جاء هو وزوجته لحضور مؤتمر عن هذا الموضوع يستمر من الصباح حتى المساء).
 

وأما الصفوف الأخيرة فقد كانت لبعض طلبة في القسم أجبروا على الحضور وإلا فخسارة العلامات موعدهم، وكنت الوحيدة المحجبة لولا قدر الله وحضور مدرّسة عربية تخرّجت من القسم قبل عام. 

وهنا يحق للجميع السؤال عن سبب عزوف الشباب من كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عن نقاشات كهذه، حتى باتت تقتصر فقط على الأكاديميين، وهل السبب في ذلك يعود إلى موقف الإسرائيلي القوي الذي لا يتعب نفسه بالتساؤلات، وضعف الفلسطيني الذي لا يؤهله للتفكير في مصيره؟ أم هو يأس الجميع ويقينهم باستحالة الحل السياسي؟

بدأت المحاضرات، وبدأ كل باحث بعرض حله "الفريد" آملا أن يكون الخلاص على يديه، فهناك من يؤمن بحل الدولتين مثل البروفيسور سامي سموحة (إسرائيل في حدود 48 وفلسطين في حدود 67) وهناك من يعود ليعيد النظر في خطة "يجئأل ألون 1967 / תוכנית אלון" ولكن كما علّق أحد المحاضرين ساخرا، فإنّ آخر من دعم هذه الخطة ميّت. ثم كان هناك من طرح خيار فدرالية فلسطين وإسرائيل تحت اسم (خطة أشكول / תוכנית אשכול)، حيث تكون كل دولة منهما عبارة عن مناطق فدرالية مستقلة.

 

ليس لكوني فلسطينية ليس لها حق أصلا في التعليق على مصيرها، ولكن لأنّ لديّ تساؤلات أكبر

حل آخر كان بعنوان "دولتان وميلاد واحد" أثيرت فيه مشاعر الحضور بعرض صور تسويقية للخطة تخللت اجتماعات عرب ويهود في إحدى المستوطنات في الضفة. ثم الحل الخنفشاري الأخير بعنوان "خارج الصندوق.. حل الإمارات الفلسطينية" الذي برع فيه عارضه بسرد أسماء العائلات الفلسطينية في كل مدينة من مدن الضفة الغربية، كقبائل لها وزنها في التاريخ "الفلسطيني"، إذ تحكم الخليل حمولة القواسمي، ورام الله البوغوثي وهكذا.. مع التشديد على كلمة حمولة والاستماتة في شرحها للجمهور العبري مع خلط ذلك ببعض الكلمات العربية لجذب الحضور العربي في القاعة، وكل ذلك لينتهي بنا الحديث عن إمارة الخليل التي لو نفذت خطته، ستتفوق على دبيّ! 

من الملفت أنه تكررت كثيرا ضمن المحاضرات كلمتا الصلح والسلام.. الأمر الذي دفع أحد الحاضرات للتساؤل جديًّا عن معنى هاتين الكلمتين!

أيضا.. تساءل أحد المحاضرين عن عدم وجود أكاديميين فلسطينيين آخرين مدعوين ليعلّقوا على هذه الخطط أو يناقشوها معهم -مع التجاوز على أحقيتهم بفرض حلول كنظرائهم الإسرائيليين- ولكنه نسي ربما أن الحدود في وجه ابن الإمارة الفلسطينية وإن كان أكاديميا مسدودة، هذا إذا كان لم يزج به في السجون، تمهيدا لتطهير العالم منه.

لن أعلّق على أيّ من الخطط التي ذكرت أعلاه، ليس لأن التعليق لن يزيد رصيد علاماتي في الفصل الأخير، وليس لكوني فلسطينية ليس لها حق أصلا في التعليق على مصيرها، ولكن لأنّ لديّ تساؤلات أكبر: متى يكف ابن الرجل الأبيض بالتبنّي عن تفصيل الأثواب وانتظارنا لنرتديها؟ ومتى نبدأ نحن صنعها والمبادرة إليها وفرضها؟

ما هي الحدود التي بيني وبين أهل الضفة وغزة؟ ما هي الدولة التي لو انتصرنا ستكون لنا؟ لماذا عزوف الشباب في الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عن حضور نقاشات كهذه واقتصارها على الأكاديميين؟ هل يئس الجميع؟ وهل سيبقى الصراع صراعا؟ أنا الفلسطينية التي تعيش في الداخل المحتل "إسرائيل" أين سينتهي بي المطاف؟ 
 

وأخيرا.. لا أدّعي أن استيقاظي باكرا جدا في ذلك اليوم كان يستحق، ولا أدّعي أنه لم يكن كذلك.. فها قد أعادني للتدوين بعد انقطاع سنين!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.