شعار قسم مدونات

عاش كل خروف عظيم في هذا الوطن

blogs - sheeep

دوماً ما حيرني لغز غلاء الخروف البلدي على الأسترالي.. بفرق سعر يصل إلى الضعف أحياناً، لأنه يستحيل احتمال أن خروفنا عاش حياة هنيئة رغيدة أكثر من قرينه الأجنبين فانعكست مثلاً طراوة في لحمه، أو طيباً في طعمه.. فمنذ ولادته، يحصل الأخير على ميزات يفتقدها بعضنا، بدءاً بهوية شخصية حول رقبته ذات اسم وتفاصيل الوالدين.. مروراً بتأمين صحي، وفحص دوري للأمراض الباطنية، بالإضافة لحياة سعيدة يمضيها بين المراعي الخضراء.
 

يشرب ماءً عذباً.. ويختار من أنواع الأعشاب ما شاء، فيأكل اليوم من عشب قصير يسمى بثيل البرمودا، وغداً يتمزمز على الفسكيو (ناعم، سهل الهضم)، ثم بعد عمر طويل.. تخدير أو صعقة كهربائية.
 

إما أن للعصير والتويكس فوائد أكثر من العشب الناعم، أو أن لله بركة على كل من يصبر، حتى الخروف

ما أبعد خروف الوطن عن هذا الدلع، قطعة الأرض التي أمام مسكننا يحبها الرعاة المتجولون، يقف عليها الراعي مشيراً بعصاه فيفهم الكلب المرافق، فيبدأ بالدوران حول القطيع كي يستقر في مكانه. خروف مصبوغ على ظهره "خروف أبو رأفت"، ينظر إلى عيني وأنظر إلى عينيه، وكلانا يدري أن قطعة الأرض قاحلة ليس فيها ورقة.. لسان حاله "يا زلمة شوفلنا حل معه، أنا ما بعيش هيك عيشة"
 

بعد دقائق، تجد الخروف هذا نفسه يدوس بحافره على علبة عصير، ليتسرب بعض العصير فيلحسه مع التراب.. نعجة بجانبه، تلعق بواقي غلاف التويكس العالق على لسانها.. خروف يجلس بجانب الراعي يريد بعضاً من غداء الرجل، الغداء رز وقليل من اللحم، فيرمي الراعي قطعة لحم صغيرة، فيقفز إليها الخروف يأكل لحم أخيه وعيناه على القطيع، لسان حاله "الجوع كافر"، راجياً أن لم يره أحد.
 

إذا ذُبح، كانت مجزرة جماعية، يذبح فيها القطيع أمام عينيه.. رغم وصايا نبي اللحام بالرأفة، فلا يُذبح أمامه بنو جلدته قبله، ويذبح بسكين حادة، تنهي المسألة سريعاً.. ليبقى السؤال في عيد الأضحى، كيف لكائن عاش الأمرّين، أن يكون لحمه أطرى وأطيب من لحم المدلل في القارة الأخرى؟
 

إما أن للعصير والتويكس فوائد أكثر من العشب الناعم.. أو أن لله بركة على كل من يصبر، حتى الخروف.. "فاصبر صبراً جميلا"
 

عاش كل خروف عظيماً في هذا الوطن المبارك.. دام حافر كل صبور لم ييأس من عطاء أرضه.. فإلى غد حيث يكون الصبر، مع رائحة الذبائح والكبدة، ثم غداء ثم عشاء ثم إفطار ثم غداء ثم عشاء المعمول والقهوة.. أيام لا تحتملها، إلا لأنك تعلم أن فقيراً فرح بتلك اللحمة، وأن جدتك تسعد بأكلك معمولها وشربك تلك القهوة.. أيام تحتملها، لابتسامة على أهل وطن أحببته.. لبيك اللهم وإن لم أكن بين الحجاج ملبياً.. تقبل الله صيامكم واستجاب دعائكم.. يا أهل الطيبة والجمال، كل عام وأنتم بخير!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.