شعار قسم مدونات

بلاد العُرب ليست بأوطاني

blogs - arab countries
تعلمنا منذُ الصغر أنَّ لنا بلاداً كبيرة، تسمّى بلاد العرب، فيها الثروات والإمكانات، فيها الأخلاق والمكارم، وبأنّ ما يجمعُنا هو هوية عربية واحدة مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، لا حدود تقف عائقاً أمامنا، ولا هوية تُعرقل علينا حياتَنا.
 

كبرنا على هذا الكلام، ونحن يخيل إلينا بأن هناك بلاد أشبه بالمدينة الفاضلة، حاكمها شريف ونظامها عادل وشعبها معطاء. بلاد ستحضننا في وقت الشدّة وتحن علينا في المحن. لكن ما نراه ونعايشه الآن يمحي هذه الصورة الذهنية التي رسمت في مخيلتنا وتجذرت في أعماقنا على مدار كل هذه السنين! واقع بدد هذه الصورة حتى أصبحت مشرذمة. ليس هناك هوية عربية واحدة، فأنا فلسطيني وأنت جزائري وهو سعودي والآخر لبناني، ومصري ومغربي وتونسي وسوري وليبي وعراقي… إلى ما هنالك.
 

لم نع يوما أننا لسنا سوى ضحية استعمار فاشل أنهك قوانا ووضع بيننا حدودا سياسية وهمية عمدت إلى تفريقنا وتفتيت نسيجنا

حدودي ليست كحدودك، فهذا النهر تابع لي، وذاك الجبل تابع لك، وإياك والنفط فهو تابع لهم! لا أنت تتخطى حدودك معي ولا أنا أتخطى حدودي معك.. (يعني من الآخر يا صاح)! وهكذا أمسينا كلٌ يغني على ليلاه.. لم يعد أحد ينعتنا بالعرب بل بالبلد، لم نعد أمة واحدة، ولا يدا واحدة. جل ما وصلنا إليه هو دول مفككة مبعثرة، مضى عليها الزمان.. كل يصارع غيره بفعل القوة، أو مغلوب على أمره بفعل الضعف. لم نع يوما أننا لسنا سوى ضحية استعمار فاشل أنهك قوانا ووضع بيننا حدودا سياسية وهمية عمدت إلى تفريقنا وتفتيت نسيجنا.. لم ندر يوما بأن أولادنا سيكبرون ويسألوننا عن الهوية العربية وماهيتها..
 

أنت وأنا، بماذا سنجيب أولادنا إذا سألوننا يوماً لماذا كل بقعة أرض في العالم العربي لها اسم معين، حتى الشارع الذي أذهب عبره إلى المدرسة له اسم معين؟ لماذا كل هذا التفتيت والتجزئة؟ حينها لن نعرف الإجابة، لأننا لا نملكها أصلاً! لو كنتُ أملك هوية عربية وليس هوية بلدي الذي ولدت فيه، لم أكن لأموت على معبر رفح وأنا أحاول الوصول إلى مصر للعلاج، ولم أكن لأصنف تحت مسمى نازح سوري في بلاد شقيقة لي، لم أكن لأنام في المقابر بسبب كثافة السكان في مصر، كان من الممكن أن أعيش في أي بقعة عربية أخرى… ولم أكن لألجأ عبر قوارب الموت للسفر والبحث عن حياة أفضل، ولم أكن لأتكلم الإنكليزية والفرنسية بطلاقة، وعندما أصل للعربية تضيع الحروف، ولم أكن لأذل عند كل تأشيرة مطار وعند كل حاجز.. لم أكن لأتعرض لهذا كله.. لو كنت أملك هوية عربية..
 

هويتي العربية أصبحت مفقودة، شبه ضائعة، خطفها الغرب ووضعها في غياهب مؤامراته 

لم يسأل العرب أنفسهم منذ سنين، لم نحن متخلفين؟!
متخلفون نحن.. نعم.. لأننا وبالرغم من تآلفنا واشتراك مفاهيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وعروبتنا وأصولنا… إلا أننا لا نرى هذا كله، أو إن صح التعبير لا نريد الإعتراف به! فما نراه دائماً هو فقط الإختلاف، الإختلاف الذي نجعله دائما شمّاعة نعلق عليها كافة أخطائنا، في حين أن الغرب وبالرغم من تباعده وانفصاله إلا أنه عرف كيف يجعل من نفسه قوة واحدة.. نحن كنا كتلة واحدة وعملنا جاهدين لكي نتفرق… اجتهدنا ودفعنا الدم كي نتفرّق! هم مفرَّقون بحكم الطبيعة ولكن، عملوا جاهدين لكي يتحدوا. حسن التدبير والتصرف حِسنٌ مفقودٌ عندنا.
 

لذلك هويتي العربية أصبحت مفقودة، شبه ضائعة، خطفها الغرب ووضعها في غياهب مؤامراته. تفصلُنا حدود وهمية، ولكن بأيدينا حوَّلنا هذا الوهم لحقيقة، وصنعنا من العدم شيئاً جعلناه يحكمنا حتى سيطر علينا. كبرت ولم يتسنَّ لي التعرف إلى هويتي العربية… كنتُ أود أن أكبر وأجدها لكي أكتب فيها شعراً كشعر "بلاد العرب أوطاني" ولكن عندما كبرت وجدت أن بلاد العرب ليست بأوطاني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.