على سبيل المثال أنا أشعر أنني أنتمي لعالمين الا اني لا أستطيع العيش أو التكيف في اي منهما . وأنا في أمريكا أشعر أنني أنتمي لفلسطين وأنا في فلسطين أشعر أنني أنتمي لأميركا، وفي حقيقة الأمر وكوني عيشت طفولتي وصباي في فلسطين فإن جذوري وثقافتي عربية بالكامل ، وبالرغم من سنوات الاغتراب الطويلة والتي تزيد عن عشر سنوات فإني الى الآن لا استطيع أن اندمج بالمجتمع الأمريكي بشكل كامل ولا اتوقع ان يحدث ذلك، لأن ذلك الاندماج يعد خيانة لجذوري وثقافتي العربية.
معاناة المغترب تكمن في أن الزمن يتوقف عنده في اللحظة التي ترك البلاد فيها، فهو لا يستطيع أن يكون جزءًا من الثقافة المحيطة أو البعيدة، فلا هو اندمج مع ثقافة الغرب ولا واكب تطور بلده الأم، ورغم أن العرب الامريكيين على سبيل المثال لا الحصر نجحوا في أعمالهم وتفوقوا مهنياً وعلمياً إلا أن ذلك النجاح لم يكن بالضرورة أداة لتطوير الأفكار الذاتية والمعتقدات والموروث الثقافي، وأكبر دليل على ذلك إذا نظرنا الى عدد من القرى الفلسطينية التي هاجر أهلها الى الولايات المتحدة بعد حرب النكسة، نجد أنه بالرغم من تميز تلك المناطق بحملت الشهادات والتخصصات العلمية في أميركا، وبالرغم من حالة الثراء التي تنعكس في قصور وفخامة عمرانية تبهر كل من يراها في فلسطين، إلا أن الموروث الثقافي في تلك المناطق توقف عند ستينيات القرن الماضي، زمن الهجرة الأولى.
دائماً كنت ومازلت اعتبر نفسي فلسطينية تريد تحرير بلادها، عربية لا ترى لنفسهاً وجوداً إلا في حضن العروبة، ومسلمة لاتبيع مثقال ذرة من عقيدتها بملك الدنيا وما فيها، فهذه ثوابت نشترك بها جمعياً أينما كنا، إلا أني وبعد تلك السنوات وذلك الصراع تمكنت من اكتشاف هويتي الجديدة والتي تعتبر ذاتي، فهي هوية منفصلة عن نشأتي الأولى والثانية، ولا علاقة لها بالمكان بقدر الأفكار والشخصية.
فإن كنت مثلي تعاني أو عانيت صراع الهوية بغض النظر عن الأسباب، ومهما شعرت بالاختلاف وعدم القدرة على الاندماج مع مجتمعك أو من هم حولك، لا تقلق كثيراً، فأنت حتماً في طريق الوصول الى هويتك الذاتية .
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.