شعار قسم مدونات

عندما تدخل المافيا مؤسسات التعليم

blog- مقاديشو

يذكردائما أن الفساد منتشرفي العالم الثالث وبخاصة في أفريقيا في كل مؤسساتها الحكومية والخاصة بشكل عام.

الصومال بلد أنهكته الحروب أكثرمن عقدين من الزمن وخربت جميع مؤسسات الدولة بمن فيها التعليم. في تسعينيات القرن المنصرم ظهرت في الصومال هيئات تعليمية أهلية بمناهج عربية وسرعان ما انتشرت هذه المدارس في مساحة البلاد تقريبا.

جهدي الشخصي وأهلي باء بالفشل بسبب عبث أيادي العصابة التي لا يمنع أعمالها البشعة وازع ديني ولا ضمير وطني ولا إنساني

استبشر الناس وشكروا رواد هذا العمل العظيم، ولكن ما زال بينهم مافيا المتلبسين باسم المثقفين يفرقون الطلاب الصوماليين -الفائزين بالمنح الدراسية في الخارج- حسب مقاييسهم الخاصة التي لم تكتشف بعد ولا يعلم ذلك إلّا الله العليم الخبير.

كنا في 12 من شهر يوليو 2007 جلوسا في امتحان للمرشحين لمنح دراسية من بنك الإسلامي للتنمية IDB وكان العدد يفوق 100 طالب. امتحنا في ست مواد في نفس الجلسة، وكنا قلقين ومتشككين من النجاح بسبب صعوبة الامتحان، وبعد شهر تقريبا أعلنت النتيجة والحمد لله كنت من الفائزين بالترتيب 6السادس من بين 27 ناجحا. في يومها صليت ركعتين شكراً لله بسبب فرحة الأهل بأن جهدهم لم يذهب سدى.

دفعنا مبلغاً من المال للهيئة الموكلة من IDB في الصومال رغم أن من بيننا من يجاهد للحصول على لقمة العيش آنذك، لأنها كانت فترة الاحتلال الإثيوبي في الصومال سنة 2007 وكانت المقاومة الشعبية في ذروة سنامها.

كان عدد المرشحين للمنحة 15 طالباً من بين 27 الناجحين. أرسلIDB الملف الرسمي للفائزين بالمنح الدراسية سنة 2007-2008 والحمد لله كنت منهم ولدي نسخة من هذا الملف. وزاد اليقين عندي في أنني حققت الهدف المنشود. بعد أيام رأينا الوطن والجامعة التي سجلت أسماءنا ورأيت اسمي بأم عيني بجامعة غازي في تركيا مع الكلية المحبوبة لدي الهندسة وكنت منغمسا بالسرورحينها.

فقد حان وقت السفر، ومن الخطط أن تأتي تأشيرة دخول تركيا من كينيا في غضون أسبوعين لأنه لا توجد سفارة تركية في الصومال يومئذ. في هذه الفترة التي كنا ننتظر التأشيرة جهزنا أنفسنا للسفر وكدنا نشد الرحال إلى تركيا ومدنها الجميلة.

لست الضحية الوحيدة ولكن لقيت بعضا من الذين ألقوا بمصيرهم التعليمي في طريق مسدود بسبب هذه المافيا المجرمة

فوجئنا باتصال من الهيئة الموكلة من IDB وذهبنا بسرعة وكان الخبر أن البنك حولنا إلى ماليزيا بدلاً من تركيا لأسباب من IDB . كنا أربعة طلاب محولين إلى ماليزيا، وكانت المفاجأة الكبرى عندما ذكروا لنا أن اثنين منا فقط هما من حصلا مقعدين في جامعة بماليزيا. ومن المؤسف جداً أن بقيت أنا والطالب الذي حاز المركز الأول من الامتحان دون مقاعد.

تعد هذه اللحظة من أسوأ اللحظات في حياتي، وحزنت كثيرا لأني شعرت حينها أن جهدي الشخصي وأهلي باء بالفشل بسبب عبث أيادي العصابة التي لا يمنع أعمالها البشعة وازع ديني ولا ضمير وطني ولا إنساني، حيث لا يوجد محاكم تقدم أمامها شكوى ضد هذه المافيا ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

عندما سألنا عن السبب وراء هذا التأجيل كانت إجابتهم أن لنا الأولوية في السنة القادمة، ومتى حال الحول قالوا الأولوية للطلاب الجدد، وهكذا أصبح مقعدي شفرة لم تفك بعد من 2007 إلى يومنا هذا.

لست الضحية الوحيدة، فقد لقيت بعضا من ضحاياهم الذين ألقوا بمصيرهم التعليمي في طريق مسدود بسبب هذه المافيا المجرمة، ولا شك في أن مثل هذه الأعمال وارد في العالمين العربي والإسلامي، ونسأل الله أن يول علينا القيادة الراشدة في بلداننا العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.