شعار قسم مدونات

رحلتي مع الله.. بين الراحة والقلق

blog-رفح

الله يسكن قلوبنا شئنا أم أبينا… أتذكر هذه الجملة كلما هممت بفعلٍ، أو كلما وددتُ الإسهاب بالتفكير، وفي كثير من الأوقات لا أصل إلى نتيجة قاطعة، فأعيد التفكير بعد فترة وجيزة بذات الأمر، ليس حبًا بالتفكير دومًا، إنما كرد فعل طبيعي على ما يحصل غالبًا في حياتنا، فأجدني دومًا بين الراحة والقلق..

بداية رحلة الراحة بيني وبين الله

كانت بداية رحلتي مع وجود الله داخلي، عندما كنت طفلًا في الصف الأول الأساسي، حينها كنا نتنقل بين الأردن وفلسطين، مرتين سنويًا على الأقل، خلال رحلة التنقل وعند مروري من نقاط التعذيب الإسرائيلية "نقاط التفتيش"، كنت أشعر إنني كالقطة الصغيرة الضائعة في زحام الشوارع بين عجلات المركبات، تحاول جاهدة أن تركض لتصل الرصيف الآخر دونما فقدانها للحياة.

يقيني بأن الله سينهي كل هذ المتاعب خلال دقائق كان ينقلني إلى عالم آخر دون عرق، دون خوف، دون حشود كبيرة من الناس وضياعي بين أقدامهم

كنت أشعر بأن بوابة التفتيش ستبتلعني عند عبوري خلالها، بينما لا يهدأ "هيجان معدتي" لحظة وضع جنود الاحتلال أيديهم على جسدي لتفتيشي، عندها كان الله يكبرُ في قلبي، وشيء ما يخبرني أن هذا حلم، أو مسرحية سيعلن الله نهايتها خلال دقائق وما عليّ إلا الصبر.

عبثًا أحاول أن أصبر، إلى حين إعلان نهاية الأمر، لكن عرقي كان يتصبب أكثر فأكثر، تحديدًا عند وصولنا لـ"محطة عبده"، حيث كانت حقائبنا تُلقى على الأرض في ساحةٍ كبيرة، ونبدأ هناك رحلة البحث عن أمتعتنا، وسط التصاق الذباب بنا، ورائحة وقود الحافلات التي يحملها الهواء الساخن، لكن ما كنت أعبأ كثيرًا، فهي مجرد دقائق وسيعلن الله نهاية الأمر.

هنا، كانت تكمن إحدى رحل راحتي التامة مع الله، فرغم كل ما مررت به هناك، إلا أن يقيني بأن الله سينهي كل هذا خلال دقائق كان ينقلني إلى عالم آخر، دون عرق، دون خوف، دون حشود كبيرة من الناس وضياعي بين أقدامهم.

رحلة قلقي وارتباطها بالله
إن الحياة خارج إطار الأظافر الناعمة رحلة مقلقة، فيها ما فيها من تعقيدات، حول الأمور كافة، من علاقات اجتماعية، وترتيبات مادية، وراحة نفسية، ومثلي مثل كل البشر كان لا بد لأظافري أن تبدأ بالخشونة خلال معترك الحياة، إلا أني اكتشفت ذلك دفعة واحدة، ولم أنتبه لتدرج الأمر لانشغالاتي الكثيرة خلال فترتي الجامعية.

أخاف أن أرضى برزقي ودخلي المادي والمعنوي ولا أبحث عن عمل إضافي فيكون ذلك كسلًا في طلب رزق الله واستكانة لصعوبات الدنيا كي لا أحدث فرقًا حيثما حللت

أصبحت الآن علاقتي مع الله ذات حدين، أخاف أن أرضى بالأمر الواقع وأستريح قليلًا ذهنيًا وعمليًا، ويكون ذلك في ميزان الله تقاعسًا، أخاف ألا أشغل ذهني بالتفكير حول قضايا الدنيا كافة، فيكتب لي ذلك أني لست من المؤمنين لعدم اهتمامي بشؤونهم، أخاف أن أرضى برزقي ودخلي المادي والمعنوي، ولا أبحث عن عملٍ إضافي، فيكون ذلك كسلًا في طلب رزق الله، واستكانة لصعوبات الدنيا كي لا أحدث فرقًا حيثما حللت.

لكن في المقابل، أخاف أن أتمرد على الواقع فيكون ذلك عدم امتثالٍ لقضاء الله وقدره، وأخاف أن أشغل ذهني بشؤون الدنيا كلها، ويكون ذلك تبذيرًا للوقت بأمور لا تسمن ولا تغني من جوع، وأخاف أن أجري ركضًا خلف منصبٍ يحدث تغييرًا، أو عملٍ يدر نقودًا، فأصبح جشعًا وأكتب متبترًا ومتكبرًا.

وعندما يصفو ذهني، أبتسم، وأفرح كثيرًا وأتيقن حينها بأن الله ما زال موجودًا داخلي، بصورته النقية التي أحب، ما بين الراحة والقلق، بالرغم ما يدور حولنا من قتل وكره وحقد، باسم الله، والله عن ذلك أسمى وأكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.