شعار قسم مدونات

لم يكن ساذجا

blog-العياط

نعم لم يكن ساذجا.. بهذه الشهادة برأ الدكتور ياسر علي المتحدث باسم الرئاسة المصرية في عام 2012 الرئيس محمد مرسي من الافتراءات التي روج لها البعض بشأن عدم تخوينه للمؤسسة العسكرية، وتغافله عن التحذيرات التي وصلته بشأن مخطط عن حدوث انقلاب عسكري وشيك.

الرئيس مرسي لم يكن ساذجا هذه حقيقة، وأيضا لم تكن لديه الأدوات الكافية التي تمكنه من التغلغل في مفاصل الدولة والسيطرة عليها لتنفيذ مشاريعه المأمولة للشعب، علينا أن ندرك أن المواطن المصري ليس له ذنب في الأزمات المفتعلة التي هيجت الشارع ضد حكم الإخوان، فالمصريون ليس لديهم الوعي الكافي الذي يمكنهم من الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية الوليدة مثل تركيا.

كان على الرئيس مرسي أن يخرج للعلن ويتحدث بكل وضوح عن العقبات التي تواجهه وتعرقل مسيرة ترسيخ الديمقراطية والحكم المدني، سواء أكانت إقليمية أو محلية 

بعض الكواليس التي كشفها ياسر علي تؤكد لنا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن مؤهلة بالقدر الكافي لإدارة مصر في مرحلة انتقالية تتطلب إعادة رسم خريطة العلاقات المدنية العسكرية وحل أزمات تسبب فيها النظام العسكري منذ 1952.

حديث ياسر علي يحمل شقين الأول: تبرئة للرئيس مرسي من الافتراءات التي أطلقها البعض بشأن سذاجته وعدم إدراكه لمعطيات المرحلة وعدم تخوينه للمؤسسة العسكرية، والثاني: أن الإخوان المسلمين كانت لديهم خيارات للحفاظ على شعبيتهم التي تزايدت بعد 25 يناير 2011 عن طريق عدم تصدر المشهد.

ما زلت أعيب على الرئيس مرسي عدم المصارحة والمكاشفة أمام الشعب المصري، كان عليه أن يخرج للعلن ويتحدث بكل وضوح عن العقبات التي تواجهه وتعرقل مسيرة ترسيخ الديمقراطية والحكم المدني، سواء أكانت إقليمية أو محلية، وكان على صناع القرار داخل جماعة الإخوان أن يدفعوا خلف هذا الاتجاه ولكنهم تكتموا حتى وقع الانقلاب.

تخيلت أن الرئيس مرسي دعا الحشود إلى ميدان التحرير وجمع المصريين على اختلاف ألوانهم وأطيافهم جميعا وتحدث معهم عن المطامع السياسية للمجلس العسكري، وكيف أن الأجهزة العميقة في الدولة تقف ضده لأفشاله شعبيا حتى يتثنى لهم صناعة انقلاب عسكري في خضم التظاهرات التي كانت تخرج مطالبة برحيل مرسي، وقتها كان المشهد سيتضح ويستطيع إعادة ترتيب أولوياته وإدراك معطيات المرحلة التي تمكنه من الخروج من الفخ الذي يعد له.

الأهم من ذلك أننا لو رجعنا خطوات للخلف عقب ثورة 25 يناير، سنجد أن جماعة الإخوان كان الشعب المصري يأمل منها الكثير، خصوم الثورة أدركوا أن شعبية الإخوان متزايدة ولا يستطيع أحد أن يغيرها عبر الأطر الديمقراطية المتعارف عليها وبالتالي تأكدوا أن في تصدر الإخوان وتحملهم لأعباء الشعب وإرث الفساد التي خلفه النظام العسكري منذ 1952 سيكون هو السيف الذي يعزل الإخوان عن القاعدة الشعبية ويقتلهم.

عدم الاعتراف بالأخطاء ورصدها ومحاولة قراءة المشهد من جديد هو الذي يعطل حتى الآن الجماعة عن استعادة قواعدها الشعبية والعمل على إعادة مسار ثورة 25 يناير

كان من الممكن أن يستدعي الشعب المصري الإخوان المسلمين لو أنهم لم يترشحوا للانتخابات الرئاسية، بل كنت أرى في دخولهم للمحليات ومجلس الشعب أمرا كافيا في هذه المرحلة إلى جانب دعمهم لمرشح توافقي مع الأحزاب الأخرى، وحتى لو كان نجح أحمد شفيق مرشح الثورة المضادة فالكوارث التي تحدث الآن في عهد السيسي كانت ستحدث قبل ذلك ولكن كان الشعب وقتها يستطيع أن يخرج في تظاهرات لأنه لم يرى البندقية العسكرية وهي تقتل في رابعة ولم يرى اعتقالات لم تشهدها البلاد من قبل.

لنا في التجربة التونسية خير دليل بعيدا عن بعض المزايدات الغير مقنعة بشأن تنازلات الشيخ راشد الغنوشي، فطنة إخوان تونس جنبتهم المصير المصري، الآن إخوان تونس لا يتحملون أعباء فشل حكم وإدارة السبسي، قواعدهم الشعبية تزداد يوما بعد يوم، وأؤكد أنهم سيعدون للتصدر من جديد عندما يصقلوا أنفسهم بالخبرات الكافية التي تمكنهم من إدارة البلاد.

حتى الآن جماعة الإخوان لا تريد الاعتراف بأن قرار الدخول للرئاسة لم يكن أمرا صائبا، ما زال أفراد الصف فيها يروجون لمصطلحات فضفاضة لم تقنع المصريين على مدار 3 سنوات من حكم عبد الفتاح السيسي، عدم الاعتراف بالأخطاء ورصدها ومحاولة قراءة المشهد من جديد هو الذي يعطل حتى الآن الجماعة عن استعادة قواعدها الشعبية والعمل على إعادة مسار ثورة 25 يناير.

الوضع في مصر مأساوي وكارثي ويجب أن يدرك الإخوان أن سخط الشعب على السيسي لن يزيد من شعبيتهم، فالناس يرون أن الإخوان أوصلوهم للوضع الذي عليه البلد الآن، إعادة انتاج الجماعة لنفسها ومراجعة السياسات المنتهجة منذ 1952 سيكون بداية للحل، حل الإخوان لخلافاتهم الداخلية وإجاد طريقة للخروج من مأزق الشماعة التي يبرر بها النظام ما يحدث سيكون بداية الطريق لانهاء النظام العسكري نهائيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.