شعار قسم مدونات

كتابة الرأي

blogs كتابة

حين وضعت رأس قلمي على صدر ورقتي هذه المرة لم تسل دموعه ولم يتمتم بهمومه كالعادة ولم يجري نهر أفكاره ليجلوالخبث عن وجهه ويذهب الزبد عن نظره احتارت خطوته وجالت نظرته وأسرت كلمته، وما قلمي بالمهر ولا أنا بالكاتب الغر.

لكنها لربما كانت هيبة اللقاء الأول واستعظام للمهمة الملقاة على كتفيه فان تكتب بين دفات دفتر شيء وان تكتب للملأ أمر أخر.

أن تكتب في صفحة لا يعهدها أحد بالتأمل ولا يزورها أحد للتفكر أمر وأن تكتب في صفحة يؤمها المئات وتطالعها النخب أمر مختلف، إنه لذات الاختلاف بين الصوت والصدى بين الصورة والواقعة.

الخطوط الحمراء لم تعد خطوطا ترسمها دوائر الأمن والمخابرات فقط فهناك خطوط حمراء أخرى أصبحت تصنعها قوى المجتمع المدني

لعل الحقيقة اني ادركت من فور لحظتي هذه ان الموضوع انتقل من الكتابة للذات واليها الى كتابة الراي، وكم هوصعب ايصال الراي ناهيك عن كتابته من بين ادخنة الحرائق المشتعلة وغبار الصراعات المحتدمة على كامل جسد جغرافيتنا السياسية المصابة بالالتهاب .

ان هذه المهمة اشبه ما تكون بفيلم سينمائي مثير يحاول فيه البطل ان يكون لصا يمر برشاقة من بين شبكة عشوائية من الخطوط الليزرية الحمراء وكاميرات المراقبة في غفلة من الحراس ليصل الى جوهر الحقيقة .

ان هذه الخطوط الحمراء لم تعد خطوطا ترسمها دوائر الامن والمخابرات فقط فهناك خطوط حمراء أخرى أصبحت تصنعها قوى المجتمع المدني كرجال الدين وائمة الراي العام والمنظمات المهتمة بحقوق المرأة بل وبعض المنظمات الحقوقية ايضا ولا داعي ان اذكرها هنا ان أي مس بهذه الخطوط كفيل بايقاظ كل أجهزة الإنذار الكفيلة بدورها بتحويلك لدى جهة اوأخرى الى عميل اودعي اوكافر زنديق اورجعي راديكالي اولربما إرهابي فهذا معلوم بداهة .

فكاتب الراي في بلادنا اليوم لم يعد يكفيه ان يوصل حقيقة رايه من بين اقبية المغافر وان يمررها بهدوء من تحت انوف الكلاب البوليسية بل ان عليه الان أيضا ان يراوغ بها بين الشوارع والازقة ليلا وان يسير بها على الاسوار لا داخلها وان يتسلق بها الحوائط العالية كلصوص المواسير وان يقفز بها من سطح لآخر ان أراد السلامة والوصول .

وهو الامر الذي يتنافى والاصل المقصود من كتابة الراي فكتابة الراي صورة من صور الجهر به ومحاولة للغوص بالتحليل للوصول الى لب القضية وجوهرها لا البقاء على سطحها هي محاولة لولوج الاسوار وفك ما بداخلها من احاج واسرار محاولة لهدم كل الحوائط العالية التي تحيط بظاهرة ما محاولة للربط بين الوقائع والاحداث من جهة وبين النتائج في الجهة المقابلة كل هذا لا يعدوان يكون وجهة نظر الكاتب وحده لا يفرضها على احد وان زعم انها الحقيقة .

فأنّا لنا الجمع بين الاثنين بل هوجمع لا ارى له سبيلا فالكتابة المشروطة بقيود اجتماعية وسياسية اشبه بنوع من التقية لواضعي هذه المنظومة تكلف لنا بالمقابل الحق بالكتابة حتى وان أصبحت كتابتنا بلا لون ولا طعم ولا رائحة.

والسؤال هنا هوماذا ستفيد الممالأة بالراي والمجاملة فيه ؟ هل سيلغي هذا التنوع الموجود في مجتمعاتنا؟ 
بل السؤال الأدعى للسخرية هوماذا سيبقى من الكتابة ذاتها حين تنزع منها الحرية في التعبير والراي وأين سيكون البيان في غياب وضوح الموقف؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.