شعار قسم مدونات

المسؤولية أو الفوضى الإعلامية

blog- الوعي

الاستبداد والفوضى من الكوارث التي يواجهها الإنسان في حياته بحثاً عن الحرية، حيث يقول المفكر أحمد لطفى السيد "إن الأضرار التي قد تنجم عن التطرف في الحرية لا توزاي شيئاً من الضرر البليغ الذي تأتي به طباع الاستبداد".

الشعار الواسع الذي ينادي به الجميع الحرية، والحرية التي ينادي بها القائمون على شركات الإنتاج وأصحاب الإمبراطوريات الإعلامية العربية هي "حرية" قائمة على إظهار السبع الموبقات

ووسائل الإعلام هي أداوت صناعة مواقف واتجاهات منحازة مؤدلجة ،والكل باسم الحرية يسعى لفرض أجندته، حيث تنهار الأسوار تحت مطالب حرية التعبير ودعم الحريات، رافق هذا الإنهيار انفلات السيطرة على وسائل الإعلام وأصبح كل شيئ متاحاً للعرض، والمعروض الأكثر طلباً هو كل ممنوع ومخالف في حيلة لا تتوقف أبداً بدايتها للإنفلات من مدونات القيم والأخلاق ونهايتها السقوط في حضن الإباحية.

في العرض الإعلامي تنوعت أساليب الإقناع والتأثير والتغلغل الثقافي والعامل المشترك في دراما التلفزيون (خمر، وحفلات ماجنة، ومفردات سوقية، ومخدرات، وإيحاءات جنسية مباشرة أشد قذاره من التصرف الجنسي المباشر) كل هذا يقوم به عدد من "النجوم" لإضفاء الشرعية على حالة الهجوم على الوعي والأخلاق، وليتم برمجه المشاهد ونمذجته وفق قالب واحد، حيث تهمين ثقافة الإبهار والاستعراض على ثقافة الجوهر فتختفي القصة ويضيع المضمون مع جمال الصورة وفجاجة المظهر بحجة الواقعية.

والشعار الواسع الذي ينادي به الجميع الحرية؛ و"الحرية" التي ينادي بها القائمون على شركات الإنتاج وأصحاب الإمبرطوريات الإعلامية العربية هي "حرية" قائمة على إظهار السبع الموبقات فهم للأسف مع تشدقهم بالحرية؛ إلا أنهم لم يستوعبوا بعد ماذا تعني الحرية فظهور المخدرات، وتجارة الجنس، وسب الأديان، والخمور ومجتمع بيوت الدعارة وفق تصوراتهم جزء من "الحرية" مع أن الحرية يجب أن تحترم الجانب الآخر ولا تظهر هذه التجاوزات، حتى في نشرات الأخبار والتقارير الإخبارية مع كل علامات الموت الظاهرة على الصورة تقدم الوسائل الإعلامية قدر بسيط منها يتبعه اعتذار مذيع النشره عن قساوه المشهد.

ولكن في عالم الترفيه والدراما عدد القيم والأخلاق التي تم تحطيمها، والكرامة الإنسانية التي تم التجاوز عليها باسم الحرية؛ غير مهم طالما أن هناك من يتحمل تكاليف عمل المطارق فظهر العري والتنافس بالإباحية وتجارة المخدرات وظلال سوداء وحمراء لقصص وحبكات دافع عنها الممثلين وكتاب النص والمخرجين على أنها من الواقع وهي في الأساس واقع زائف غير موجود إلا عند من أبدع بالتلاعب باتجاهات الناس وقيمهم وفي التأثير على سلوكهم من خلال الدراما وتصوير ما هو شاذ وغريب على أنه طبيعي مع تكرار أنه مرغوب عند الجمهور.

على الجميع أن يحكّم عقله ويبني لنفسه مدونة أخلاقية قيمية في متابعة المشهد الفضائي العربي، عندها فقط يمكن أن تستعاد الحرية المستباحة والكرامة المهدورة دون قطرة دم

والكارثة التي لا يدركها الجمهور العربي في أغلبه؛ ويطبل ويرقص لها فرحاً أغلب القائمين على الشأن الإعلامي العربي الفضائي تحديداً؛ الغياب الكامل للتشريعات التي تنظم الصناعات الإعلامية في المنطقة العربية ونكاد نكون المنطقة الوحيدة في هذه المعمورة التي تغيب عنها الضوابط الأخلاقية التي تنظم الصناعات الإعلامية، رافق هذا الغياب التشريعي انفلات كامل وفوضى عارمة وتجاوزات طالت كل مايبث على الشاشات العربية من دراما، أفلام، حورارت برامج اخبارية.

والمنظم الوحيد للصناعات الإعلامية العربية هو وثيقة مبادئ تنظيم البث الفضائي عبر الإذاعة والتلفزيون، وهي في كثير من نصوصها شبيه بالوثيقة الأوروبية، ولكن في العالم العربي عندما أحيلت إلى مجلس وزاء الإعلام العرب تحولت من وثيقة إلزامية إلى وثيقة استرشادية غير ملزمة لأحد.

لا أهدف للوعظ بل دعوه المشاهدين العرب إلى مراقبة حرياتهم المستباحة في الفضائيات العربية، وخلق حالة من الوعي حول المضمون والسياق العام للبرامج وغاياتها وتأثيراتها وخصوصاً الدراما كونها الأكثر متابعة وتأثيراً، بما يحفز الرقابة الداخلية على المضامين والسعي لخروج المشاهد العربي من المتلقى السلبي إلى المتلقى الواعي.

فحكم عقلك وابن لنفسك مدونة أخلاقية قيمية في متابعة المشهد الفضائي العربي، عندها فقط يمكن أن تستعيد حريتك المستباحة وكرامتك المهدورة دون قطرة دم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.