شعار قسم مدونات

غسان فميريكان

blog أمريكا
كنت ومازلت ممن غزت حياتهم الفنون الأميركية، من سينما ومسرح وغناء، رغم الثقافة الفرنسية الكثيفة التي تملأ حياة الشاب المغربي، بدءا من تربيته بالبيت، إلى المدرسة، ثم الشارع والعمل.. المسلسلات والأعمال الفنية الفرنسية التي تغزوالشاشات المغربية، وتجعل من العالم قرية صغيرة، حتى إنه من الممكن أن تتعرف على تقاليد وعادات المجتمع، ورد الفعل الخاص به حول أمور معينة، وتناظر وتعطي رأيك فيها وأنت لم تزر قط تلك البلد أو المدينة.

لماذا يبدع الأمريكان برامج تلفزية اعتمادا على تقاليدهم وفكرهم ونقوم بإعادتها نحن دون أدنى احترام لتقاليدنا وعاداتنا؟ لماذا ينجح الأميركي فيصفقون له، وينجح العربي فيدمرونه؟

هذا الاستثناء الذي بدأ مع فترة المراهقة خصوصا، وأنا أكتشف أفلاما وبرامج أميركية تبين لك التطور التقني والتكونولوجي لهذه المجتمعات، وتعيش رحلة بين التفوق العلمي الكبير في فلم، بينما تكتشف التشتت الأسري الكبير في الفلم الآخر، وتتعجب للمستوى التعليمي وضمان الحريات في الفلم الثالث، وتصدم بمشاكل السود العنصرية في فيلم رابع، ثم تسمع لأغنية تظهر لك مدى الحب المنتشر وتكتشف الأخرى تحدثك عن سوء معاملة المشردين في الشارع، تجدك مبهورا أحيانا بسقف ما وصلت إليه هذه القارة وولاياتها، ثم تجد نفسك تمشي في وقفات ومظاهرات ضد سياساتها..

ترسخ عندي أسئلة كثيرة كنت دائما أكررها، هل سياسة هذه الولايات تمثل شعبها؟ ما سبب تطورها التكنولوجي والعلمي وما سبب تدهورنا؟ لماذا جامعاتنا ليست كجامعاتهم؟ لماذا مثقفونا ليسوا كمثقفيهم؟ لماذا يبدعون برامج تلفزية اعتمادا على تقاليدهم وفكرهم ونقوم بإعادتها نحن دون أدنى احترام لتقاليدنا وعاداتنا؟ لماذا ينجح الأميركي فيصفقون له، وينجح العربي فيدمرونه؟

 

لماذا يهتمون بالبحث العلمي ويقدسون الحرية، ونحن نعشق الكسل ونقدس النوم؟ لماذا النجاح في بلدي استثناء، والنجاح في بلدهم نتيجة محتومة؟ لماذا يدرسون لأطفالهم أن التطوع واجب ونحن ندرسهم أن التطوع وقت ثالث؟ لماذا يهتم مثقفوهم بالعمق، ويبحث مثقفونا عن المظاهر؟ لماذا الثقة والصدق والأمانة جزء من تربيتهم، والفساد والقمع والاستبداد جزء من عاداتنا؟ لماذا يصنعون ويخترعون ونحن نستلهلك؟ لماذا لا نصنع نحن وهم يستهلكون؟ لماذا نهتم بالتفاهة ونربيها ونجعل منها قضية؟ هل المشكل فينا، أم فيهم؟ هل نحن المخطئون أم هم؟

أحسست أنني سأعيش تجربة مهنية مميزة بالتعرف على أكبر الشركات بمختلف الولايات والتي تشتغل في الشبكات الاجتماعية

أسئلة كثيرة كانت تراودني كل مرة ولم أكن أجد لها أجوبة، حتى جاءتني الفرصة لزيارة الولايات المتحدة الأميركية ذات صباح وأنا منهمك في عملي اليومي، يصلني اتصال من السفارة الأميركية بالرباط، صديقة تقول إن هناك برنامجا للزائرين الدوليين -تم اقتراح اسمي لأكون من المشاركين- حول تأثير الشبكات الاجتماعية في حياة المجتمعات.
 

قبلت العرض فورا، لأنني أحسست أنني سأعيش تجربة مهنية مميزة بالتعرف على أكبر الشركات بمختلف الولايات والتي تشتغل في الشبكات الاجتماعية، لكن أيضا فرصة كي أحاول الإجابة على كل الأسئلة التي لطالما خالجتني، وأبحث عن الحقيقة، وأخرج من هذه التجربة الجديدة بنتيجتين، الأولى مهنية والثانية حياتية.

في حلقات هذه التجربة التي أتمنى أن تضيف إليكم معلومات وخبرات جديدة، وبعنوان "غسان فميريكان" سأحاول أن أمرر تحت المجهر كل يوم من سفري لبلاد العم سام، وأشارككم جزءا من الإجابات التي استنتجتها، مهتما بمحاور أساسية : السياسة، التربية والتكوين، الإبداع، التعليم، الصحة والعدل، الأخلاق، الانخراط المجتمعي ثم التكنولوجيا في خدمة الشعب..

موعدنا في الحلقة القادمة.. لنكتشف جميعا علاقة الشعب بالدولة في أميركا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.