شعار قسم مدونات

السياحة الديمقراطية

blog سياحة

بعد السياحة الثقافية والعربية والعلاجية والسياحة الطبية وكذلك السياحة الدينية، ستجد نوعاً جديداً من السياحة تتبلور معالمها في تركيا، اسمها السياحة الديمقراطية (Democratic tourism) أو بالتركية (Demokratik turizm)، ستجد الآن توافد العرب والشعوب المظلومة إلى تركيا لتشتم راحة الحرية التي لطالما بحثوا عنها بين عطور باريس ولم يذوقوا طعمها.

ربما الآن لن تجد مقصد العرب إلى طرابزون والريف الشمالي بل إلى البيت الأبيض التركي في أنقرة لأخذ الصور التذكارية وصور (السيلفي)، لن يطلبوا من سائق التاكسي في مطار إسطنبول أخذهم إلى ساحة تقسيم بل إلى جسر البوسفور حيث استسلم جنود الانقلاب لفزعة الشعب، لن يطلبوا من مكاتب السياحة أن تحجز لهم في جبال بورصة للتزلج بل ستطلب منهم أخذهم إلى مكتب رئيس الجندرمة السابق في الذي كان مع الانقلابيين.

السائح هنا سيغوص كثيراً في معنى "القبب خوذنا"، سيدخل ليرى فيما إذا كان فعلاً هنا إسلام، أم الإسلام فقط عند المستغفرين ليلاً ونهاراً الممجدين للحاكم أخطأ أم أصاب

لا تستغرب أن يبدل شاغفو العلوم السياسية قِبلتهم بعد الآن إلى مراكز الأبحاث السياسية التركية منعطفين عن تلك الأوروبية التي أتحفتنا بديمقراطيتها العرجاء؛ لتكون وجهتم الحالية أروقة الجامعات التركية ومراكز الأبحاث، كيف لا وقد بدأ الجميع يعلن أنه على استعداد للدخول على أي مزاد على جوال المذيعة التركية التي كلمت الرئيس به، وبعض مَن طلبه قال (إنه جوال الحرية) أريده فربما يلهم العرب، ربما بعد أسابيع ستجده في قصر (التوب كابه)، وله جناح خاص يقال له (جناح جوال الحرية) وربما يطلب منك 50 ليرة تركية لدخول هذا الجناح كجناح حريم السلطان في ذلك القصر.

ربما الآن سيكون لمياه (سبانجة) التي تقدم في الفنادق الفخمة هنا فروع في بقية الدول، ويتسابق التجار لأخذ الوكالة وتوزيعها في دولهم، أو ربما تجد أحدهم يوصي من سيسافر إلى تركيا ليقول له أريد حفنة من المياه الكبريتية من (يالوا)، سيأتي العديد منهم ليعيدوا شحذ هممهم ويعودوا أدراجهم ليتخلصوا من وزر كبير اسمه الحاكم العربي المستبد المتفرد بكل شيء بالحاضر والماضي والمستقبل، سيأتي البعض ليراجع نفسه هنا، هل أنا مستهلك للحداثة أو صانع؟ هل أنا فعلاً ملهم أم أنا أمثل الإلهام في قوالب إنتاجية جديدة؟

سيأتون إلى تركيا ليشاهدوا كيف يكون الإنسان فاعلاً وليس مفعولاً (به وعليه وفيه ومنه)، سيعيد كل ذلك إلى الأذهان التاريخ، والعاقل سيعيد مراجعة حساباته، وخاصة عندما لا يجد هنا حريم سلطان بل سيجد (علمدار)، سيجد لميس وقد لبست العلم التركي ولم ترفع صورة رئيس الحزب الذي تتبناه، سيغوص السائح هنا كثيراً في معنى (القبب خوذنا)، سيدخل ليرى فيما إذا كان فعلاً هنا إسلام؟!! أم الإسلام فقط عند المستغفرين ليلاً ونهاراً الممجدين للحاكم أخطأ أم أصاب.

سيعلم السائح هنا مكان الحذاء العسكري الحقيقي، وسيعلم ماذا يعني انشغال كل ذي علم بعلمه، وكيف يحمون الوطن عندما يطلب منهم القائد ذلك وفي الوقت المناسب، فلا يعمل الشرعي سياسياً في أوقات الفراغ ولا يعمل الحلاق حكيم أسنان في الحارة بعد الدوام، نعم سيأتي دعاة حماية الأقليات ليتعلموا من هنا كيف أن الأقليات التي تركت خلافاتها جانباً وهبَّت لإنقاذ وطن وجغرافيا، علمت نفاقهم فلم تترك لهم مجالاً ليطيحوا بأفكارهم يميناً وشمالاً، سيتعلم السائح الديمقراطي أن فعلاً ما يفصل بين أوروبا وآسيا ليس فقط مجرد مضيق بل بحار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.