شعار قسم مدونات

أخفي الأسى ومدامعي تبديه

blog فلسطين1

يقول بيت الشعر قبل تحريفه "أخفي الهوى ومدامعي تبديه وأميته وصبابتي تحييه"، لكن واقع ما رأيته في بعض الأنشطة التي قمت بها مؤخرا تعريفا عن المسجد الأقصى وجهد المرابطات فيه جعلني مضطرة لتحريفه كما في العنوان، وإن كنت لا أحمل ثقل ما تحمله خديجة خويص أو هنادي حلواني أو غيرهن من مرابطات المسجد الأقصى المبارك خاصة صاحبات القائمة الذهبية فأصابني الأسى لِما رأيت من ضعف المعلومة والاهتمام عن أخص ثوابت قضيتنا عقيدة ووطنية، فكيف لو وصل ذلك إليهن حول أسوار المسجد المبارك.

يبلغ سكان القدس حوالي ثلاثمائة ألف نسمة، منهم 34.000 في البلدة القديمة، بينما من يجتهد في البقاء حول المسجد الأقصى المبارك وداخله عدد قليل جدا يتحمل مع ذلك كل ما نسمعه ليل نهار في نشرات الأخبار ومن خلال معارفنا الشخصية هناك، ولكن إن كانوا يتحملون في جملة ما يتحمل أهل القدس من ضرائب تتضاعف سنويا، تعليم سيئ تسيطر على أقل من نصفه بقليل دولة الاحتلال، والنصف الباقي وضعه مترد جدا بشكل يخدم الهدف الأساسي في التجهيل وإضعاف الجيل القادم ثقافيا وتعليميا ووطنيا.

يصيبني الأسى لِما رأيت من ضعف المعلومة والاهتمام بأخص ثوابت قضيتنا عقيدة ووطنية (الأقصى)، فكيف لو وصل ذلك إليهن حول أسوار المسجد المبارك

بجانب الأوضاع الصحية والسكنية والخدماتية السيئة التي يعانون منها بالإضافة للطرد وسرقة الأملاك ومنع التراخيص وغير ذلك الكثير جدا، وهم في كل ذلك يبتسمون ما داموا قادرين على الوصول للمسجد الأقصى المبارك والبقاء فيه حبا قبل أن يكون واجبا، وكم نرى من أسى يطال قلوبهم لو تم إبعادهم عنه.
 

إن كانوا كذلك فلم ضعفت فينا همة الالتفاف حول قضايانا الأساسية رغم أنهم يعانون مثلما نعاني تماما بل وأكثر، شغلتنا همومنا الشخصية ومناكفاتنا الداخلية حتى ألهتنا عن الحفاظ على الحد الأدنى من الوعي والاهتمام بقضايا كانت من سنوات قليلة ماضية تثير الشارع الفلسطيني كله تجاهها، وهو أمر يستغله الاحتلال جيدا فيما أصبح يمارسه يوميا داخل المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات متصاعدة.

ربما شعرت بسبب لا ندركه كثيرا في وعينا المباشر عندما شاركت مرة في تقييم مجموعة من الأفلام لمسابقة ما، كان أحد الأفلام المشاركة يستعرض بعض الأحداث في فلسطين المحتلة بطريقة إخراجية مبدعة وكادر واسع للكاميرا يعطي جمالا آخاذا يضاف إلى الجمال الطبيعي لفلسطين بتضاريسها المتنوعة، فعبر من بجواري عن حماسته قائلا "بدي أهاجر إلى فلسطين".

وقتها شعرت نسبيا بنجاح التضييق الذي مورس علينا هنا في غزة تحديدا حتى كدنا ننسى أراضينا في الضفة والقدس فضلا عن الداخل المحتل، لم نعد نعرف مكانا ولا بيئة غير قطاع غزة المحاصر منذ بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 حيث تمنع التصاريح التي كانت تمنح حتى للرحلات المدرسية للمسجد الأقصى أو بعض مناطق الضفة والداخل المحتل.

انسلخنا كليا عن الواقع فلم نعد نعرف حدودا أو تضاريس غير تلك التي بتنا نحفظها لكثرة ما امتد العمران إليها شرقا أو غربا داخل إطار من 360 كيلو متر مربع فقط، فانعكس ذلك على أفق وأمنيات وأحلام الشباب فضلا عن اهتمامهم وتفاعلهم مع أي قضية أخرى.
 

يجب علينا كأفراد وجهات حكومية وأهلية أن نعيد تعزيز وجود القضايا بل نعيد خلق فلسطين وإحياء وجودها في نفوس الطلبة الذين أصبحوا في معزل تام عنها بسبب الحصار

بالتأكيد ليس ذلك مبررا ولا سببا ولكنه عنصر مهم في إعادة التفاعل مع القضايا المختلفة، كما أن إشغال الناس بالأمور اليومية وبإعادة تكرارها مرارا يجعل الحياة روتينية فوق المعتاد تسرق أي جمال فيها وتكرس رتابة قاتلة في الاهتمام بإعادة إعمار ما تم هدمه في حروب ثلاثة متكررة في أقل من ست سنوات.

خلاصة القول، إن كان الاحتلال يمارس التجهيل ومحاولة نزع الهوية وزعزعة الصمود سواء لسكان القدس أم لأهل فلسطين بشكل عام فإن ما يجب علينا أفرادا وجهات حكومية وأهلية هو أن نعيد تعزيز وجود تلك القضايا بل نعيد خلق فلسطين وإحياء وجودها في نفوس الطلبة الذين أصبحوا في معزل تام عنها بسبب الحصار المباشر مرة وغير المباشر مرات كثيرة، وأن نعيد التواصل على الجوانب الشخصية لتعزيز صمود المقدسيين وصمودنا معهم.

ليس ذلك لأهل فلسطين خاصة، بل نحن بحاجة في ظل انشغال الوطن العربي كله بقضاياه ومآسيه ونضاله في مجال استعادة حريته أن يكون الاهتمام متوازيا، وكم يشعرنا نشاط المؤسسات والفعاليات التي تخصص جانبا من اهتمامها بالقدس وفلسطين كعقيدة لا يمكن التنازل عنها بحال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.