شعار قسم مدونات

ويل لـ"الترك" من شر قد اقترب!!

Blogتركيا

لا يعرف العرب في عشق السياسة -بعكس حياتهم المتلونة- إلا أبيض أو أسود، فعين الرضى عن كل عيب كليلة.. لكن عين السخط تبدي المساويا. وأمام عيون تركيا المنبجسة اليوم واردون كثر، منهم من لا يرى في مائها إلا عذباً فراتا لا يتسنّه أبداً، ومنهم من لا يراه إلا ملحاً أجاجاً بل زقوماً علقماً!!

يهيم كثير من العرب في حب تركيا وحكومتها وزعيمها، وأكاد أجزم أن لهذا الزعيم النصيب الأكبر من هذا الهيام، كيف لا وقد حرم هؤلاء العرب لعقود من زعيم "يأكل الطعام ويمشي في الأسواق" واستقرت في أذهانهم صورة الزعيم المتأله، فعشقوا أردوغان "الزعيم الإنسان" لكنهم رويداً رويداً بدؤوا برفعه لمصاف الأنبياء والرسل.

لا يجحد سوري عاقل فضل تركيا على السوريين، فأبوابها وإن أغلقت جزئياً اليوم فهي لا تزال مشرعة إذا ما قيست بأبواب "إخواننا" العرب المتآمرين في معظمهم على شعب كفر بالعرب والعجم والناس أجمعين.

موجة من الفاشية المنتشرة بعد فشل الانقلاب في تركيا صبت جام غضبها على السوريين المقيمين في تركيا واتهمتهم بكل نقيصة

لكن ما يغيب عن الأذهان، خصوصاً وأن الفقير الضعيف مهان، موجة من الفاشية المنتشرة بعد فشل الانقلاب صبت جام غضبها على السوريين المقيمين في تركيا واتهمتهم بكل نقيصة.

صدّق الأتراك حقيقة أنفسهم أنهم استطاعوا بـ"لحومهم" الطرية فقط صد الانقلاب، ولأن النصر دائماً ما تعقبه نشوة، فإن هذه النشوة تحولت عند الكثيرين هنا إلى شكل من أشكال الكبر الذي أراد الانتقام ولو من العدم، فوجد ضالته في شعب لاجئ قطعت أوصاله واختفى رأسه، وتقمص بعض الأتراك دور "المعلم" الذي يريد أن يعطي السوريين العظات: أيها الجبناء!! بعتم بلادكم وهربتم إلى هنا، خذوا منا الدرس وعودوا ودافعوا عن أطفالكم!!

خلال الساعات الأولى من محاولة الانقلاب الفاشلة، وقبل أن يظهر الطيب مؤكداً ثباته وداعياً الناس إلى الميادين، توجه أغلب الأتراك إلى مكان واحد؛ "صرافات النقود الآلية". هنا وعندما غاب الزعيم وجاست خيالات الانقلابات السابقة خلال العقول غلب حب الذات على حب الوطن وساد الشعور باللاجدوى على عزيمة المقاومة فظهر أسوأ ما عند الناس.

بعد ذلك وفي دقائق معدودة ظهر الطيب على الشاشات وقال لهم ما مبناه "سأسبقكم فالحقوا بي". رجل عرف ما أنجز خلال سنوات، فـ"إنسانه" ليس كـ"إنسان" بشار قد نسي منذ عقود معنى الوطن، و"جيشه" -وإن كثر الخونة فيه- ليس جيش العائلة والطائفة، و"استخباراته وشرطته" ليست أجهزة الموت والقتل والتعذيب، وقبل كل ذلك فهو ليس الرئيس الذي يرتدي قبعته ليذهب إلى موسكو أو طهران بعد خراب البلاد.

أخرج أردوغان أفضل ما عند الأتراك الذين أظهروا من ضروب البطولة والشجاعة والحرص على بلادهم ما يستحقون عليه الغبطة والاحترام

هكذا أخرج أردوغان أفضل ما عند الأتراك، والذين أظهروا من ضروب البطولة والشجاعة والحرص على بلادهم ما يستحقون عليه الغبطة والاحترام.

لكن في ما نسمعه اليوم بآذاننا، وما نقرأه على وسائل التواصل من اتهامات لنا بالخيانة والجبن، ليس ظلماً للحقيقة فحسب فقد اعتدنا على ذلك، وإنما فيه خوف على تركيا نفسها، فالكبر لا يأتي بخير، والغطرسة تعمي عن استبصار الأخطار، والغرور مهلكة لا نجاة منها.

السوريون اليوم يمكن نقدهم أو حتى اتهامهم بأي شيء ما عدا الجبن والخيانة، السوريون يقارعون -حقيقة لا مجازاً- بلحومهم نظاماً عالمياً متوحشاً، السوريون يمنعون بجثث أطفالهم المتفحمة تجول الحرس الثوري في مكة والمدينة، ويصدون بنازحيهم في المخيمات موجات الغزاة عن إسطنبول وأنقرة.

يسود اليوم كما ساد قبل مئة عام خطاب الحمقى بين الطرفين، السوريون كـ"عرب" يتلقفون هذه الاتهامات بمزيد من الأسى وانعدام الثقة رغم ما تقدمه تركيا لهم، والأتراك ينتفشون بخطاب النشوة الذي يذكيه بعض القوميين باتهام العرب عامة والسوريين خاصة بالخيانة والخديعة.

رغم كل مايقال فإن تركيا -شعباً وحكومة- لم تكتشف حتى اليوم ذاتها. التاريخ يعيد نفسه، خذل الترك والعرب عبد الحميد فسقط وهوت دولته.

وتركيا التي جعل الغرب تدميرها على سلم أولوياته لن تستطيع الصمود دون العرب والمسلمين، ودون السوريين بالذات أحراراً من دون الأسد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.