شعار قسم مدونات

هذا خندقك يا شيخ حسان!

blogs - hassan
"الدعاة والأمن في خندق واحد".

"ما الحرج أن يكون بيننا وبين الأمن نوع من الحب المتبادل؟ والتعاون المتبادل؟ أنا لي رؤيتي الدعوية وهو له رؤيته الأمنية".

هكذا لخّص -قبل الثورة المصرية- الشيخ المصري محمد حسان صورة علاقته بالمسؤولين عن الأمن في مصر، سواء من الجيش أو الشرطة، أو بالأخص "أمن الدولة" سيئ السمعة، أو ما يُسمى الآن "الأمن الوطني". وكان هذا في حلقة على قناة الناس الفضائية.

إبان ثورة يناير ذهب الشيخ محمد حسان إلى ميدان التحرير وخطب في جانب من الميدان في حماية قوات الجيش، وكان أول ما قاله إن هناك "مؤامرة حقيرة تريد وقيعةً بين شبابنا وبين أفراد القوات المسلحة"

ظهرت آثار هذه العلاقة من "الحب المتبادل" و"التعاون المتبادل" -على حد قوله- في العديد من المرات، ووصلت حميمية هذه العلاقة إلى أن صار الشيخ ورقة مهمة تستخدمها أجهزة الجيش والأمن في أوقات محددة، مقابل بعض الامتيازات التي يحصل عليها فضيلته.

بالطبع لا تتمثل هذه العلاقة في الصورة النمطية السينمائية لعملاء أجهزة الأمن؛ رجل يأخذ حقيبة سوداء مليئة بالأموال مقابل أن ينفذ مهمة ما؛ بل تظهر العلاقة في صورة انسيابية مبنية على التفاهم المتبادل بلا تصريح يخجل الطرفين، كجلسة طبيعية يتم فيها النقاش حول أحوال البلاد، ينتج عنها وعد بإلقاء محاضرة يتم فيها التنبيه على أمر ما، ذلك الأمر الذي ترى تلك الأجهزة ضرورة بثه في وقت ما.

وعلى الجانب الآخر تتحقق الامتيازات عن طريق "من جاور السعيد يسعد"، وبالطبع السعداء في هذا الوطن هم أفراد الجيش والشرطة، ومن يقوي علاقته برؤوسهم فلن يقف أمامه شيء، ولن يقيد حريته وحرية من يهمونه أحد.

وقد حاول حسان تقوية أواصر هذه العلاقة أكثر والارتفاع بها إلى أعلى مستوى ممكن، بثنائه على الرئيس محمد حسني مبارك وموقفه خلال العدوان الأخير على غزة الذي سبق ثورة 25 يناير. ذلك الثناء الذي أكد حسان كما يؤكد أفعاله دائمًا أنها "لوجه الله". وأنه لا يفعل شيئًا من هذا "من أجل أي أحد من البشر".

تجلت تلك العلاقة الوطيدة في فبراير 2011 قبيل "سقوط" -إن صح التعبير- الرئيس محمد حسني مبارك وأثناء احتشاد الجماهير، فقد ذهب الشيخ محمد حسان إلى ميدان التحرير وخطب في جانب من الميدان في حماية قوات الجيش، وكان أول ما قاله إن هناك "مؤامرة حقيرة تريد وقيعةً بين شبابنا وبين أفراد القوات المسلحة". ثم طلب من المحتشدين أن يظلوا في الميدان ولا يتحركوا إلى أي مكان آخر، وحذر من "المندسين". ثم في نهاية كلمته دعا الشباب إلى عدم الإفساد في الأرض وإلى حماية الممتلكات.

كان حينها في طرف من أطراف الميدان ولم يدخل بعد، وبعد أن انتهى من خطبته، هتف بعض الشباب أكثر من مرة "عايزينك جوّا في التحرير يا شيخ"؛ فما كان من حسان إلا أن لوّح لهم بيديه وولّى ولم يعقّب.

الجدير بالذكر أنه لم يتحدث تمامًا عن إسقاط حسني مبارك ولا عن أي مطلب من مطالب المعتصمين.

ثم خرج بعدها في قناة "العربية" ليؤكد نفس الكلام، واستمر صمته عن مطالب الثوار الأساسية. ولم ينس الشيخ أن ينشر الفزع الذي كان يبثه إعلاميو النظام حينها لإخافة الناس، عن طريق تحذيره من البلطجية والدعوة إلى عدم الخوف أو الهلع، وتصريحه بأن الناس يبكون في البيوت وفزعون، ولم ينس بالطبع توجيه التحية للجيش المصري.

وفي أيام الحج التي وافقت نهايات عام 2011م وعلى الأراضي المقدسة، حذر حسان من "محاولات قائمة على قدم وساق لإحداث فتنة بين الجيش والشعب"، مستغربًا من "محاولات البعض تخوين الجيش"، الذي أٌقسم بالله أنه "لم يخُن".

وقامت في فبراير 2012، القناة الأولى -الرسمية الحكومية- باستضافة الشيخ محمد حسان ليعرض مبادرة قطع المعونة الأمريكية، ثم بعد أن عرضها صرّح المذيع بسرعة -سبحان الله- بتبني هذه المبادرة رسميًّا. ثم ناشد حسان رئيس الوزراء حينها كمال الجنزوري، أو من سماه حسان "والدنا الفاضل" و"أستاذنا الكريم"، لتحويل المباردة إلى واقع عملي.

وفي نفس الشهر يخرج حسان ضيفًا على مصطفى بكري في قناة الحياة، ليقول إن العصيان المدني سيخرب ويسقط مصر، ودعا الشباب إلى الصبر. وذلك ردًّا على الدعوة التي كانت منتشرة لإسقاط المجلس العسكري.

وعندما ظهرت دعوة من مؤيدي الرئيس محمد مرسي إلى رفع شعار رابعة خلال أداء فريضة الحج عام 2013 للتنديد بمذبحة رابعة، سارع محمد حسان إلى الظهور بإصدار بيان يؤكد فيه أن المواقف السياسية من شأنها أن "تعكر صفو القلوب"، و"تفسد العبادة بالجدال المذموم، والخوض في الفتن والصراعات السياسية الواقعة"، وطالب الحجاج بعدم رفع أي شعارات سياسية خلال أداء الحج.

فماذا جنى من جراء تلك العلاقة؟

جنى الشيخ حسان مقابل ذلك الأمن والأمان له ولعائلته ولمصالحه، بل وجنى الحماية وضمان عدم المساس به أيضًا؛ إلى الحد الذي جعل قوات الأمن تلقي القبض على رجل اسمه "محمد عبد الحي البلقاس"، الذي أرسل لحسان رسالة قائلًا له فيها: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. حسبنا الله ونعم الوكيل". فما كان من شقيقه محمود حسان إلا أن اتصل بأمن الدولة ليقوموا بعدها بقليل باقتحام بيت الرجل المذكور والقبض عليه واحتجازه عشرة أيام. (وفق شهادة الرجل الموافقة لوثائق أمن الدولة التي عُثر عليها بعد اقتحام مقراتها).

يا شيخ حسان، محاولات تجميل الوجه القبيح لعصابة العسكر إن كانت قد نجحت في السابق، فلن تفلح حاليًا

إن الضجة التي أثارها حسان مؤخرًا بحديثه عن جهوده للمصالحة قبل رابعة، ليست إلا ترسا في ماكينة العلاقة المستمرة مع الجيش والشرطة، وحلقة جديدة في مسلسل دفاعه عنهما، فكل من سيستمع إلى كلماته سيخرج بنتيجة واحدة، ألا وهي أن عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش بذلوا كل ما في وسعهم لحقن الدماء وتجنب مذبحة رابعة، ولكن المعتصمين هم من رفضوا الصلح، وبذلك هم السبب في ما جرى لهم. هذه هي الرسالة الواضحة التي يريد أن يقدمها الشيخ محمد حسان.

إضافة إلى حرصه على تكرار كلمة "أزمة"، وتصويره ما يحدث في مصر على أنه خلاف بين أبناء البيت الواحد، ولا بد من تدخل الأب الرحيم -المتمثل فيه- لحل هذه المشكلة، ليعيش الأبناء سويًّا سعداء في أمن وسلام.

للأسف يا شيخ حسان، محاولات تجميل الوجه القبيح لعصابة العسكر إن كانت قد نجحت في السابق، فلن تفلح حاليًا، أنت بالضبط على هامش المعركة الآن، تقف في زاوية لا ترى منها إلا غشاوة قد وضعها العسكر على عينيك، بتوقيره الخادع لك، وبكلامه المعسول المسموم الذي يلقيه على مسامعك، وبخدماته ووساطاته لتيسير شؤونك.

العالم كله شرقيه وغربيه بات متأكدًا -باستثناء متناولي مخدر البيادة في مصر- أن ما حدث هو انقلاب عسكري، وأن العصابة الحاكمة في مصر الآن ما هي إلا حفنة من المرتزقة الذين يدمرون مصر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأنهم السبب وراء كل خراب، وما هم إلا وريثو نظام مبارك بل وأقبح منه.

هذا خندقك يا شيخ حسان الذي ترقد فيه مطمئنًّا، ولا أخالك تستيقظ إلا على صوت معاول هدمه.. عما قريب إن شاء الله!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.