شعار قسم مدونات

جرحك القديم

blob- دعاء

هل حدث يوماً أن كنت بين مجموعة من الأصدقاء تتبادلون أطراف الحديث بمرح، وفجأة يجتاحك شعور بغربة شديدة ووحدة عجيبة، كأنك طفل شريد فى صحراء يبحث عن ظل وكأس ماء؟

هل شعرت قبل ذلك أن الحياة ميتة وأن الصدق كاذب وأن النورمعتم وأن الحب بغيض وأن الستر عراء، وتبدلت المعاني في نفسك حتى اشتهيت الموت؟!

ما يهم في هذه الأيام ما تعلمته من دروس، لا تكرر الخطايا، وكن ممتناً لمن صنع لك ابتسامة واحدة، أو ربت على كتفيك ولو مرة، أو أسكنك قلبه ولو ثانية، أو اهتم بك ولو قليلاً

هل جربت البكاء المجرد؟ حالة من البكاء والنواح طويلة ومستمرة لكنها دون دموع ظاهرة، بكاء القلب ونواح الروح.. هل جربت هذا من قبل؟ انتبه.. إنه جرح قديم ينزف داخلك!.

 قد يكون هذا الجرح تقصيرك تجاه الحبيب الأعظم الذي وجدك صغيرا فكبَّرك، وكسيراً فجبرك، ومهيضاً فقواك، وضالاً فهداك، وعارياً فكساك، وجائعاً فأطعمك، حتى إذا اكتملت قوتك كان هو أول من تنصرف عنه يا مسكين!.

 يقول ابن القيم "إن في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه" .

عالج هذا الجرح، عُد بقلبك إليه، عُد عودة من ذاق علقم الهجر فاشتاقت روحه لشهد المحبة، والزم "أستغفر الله" و صحبة الصالحين ولا تعدُ عيناك عنهم.

قد يكون هذا الجرح حبيبا قديما نسجتما سوياً رداء المحبة الجميل، وعشتما أياماً من الجنة، حتي قهرتكما صروف الدهر ومزقت رداء المحبة وتركتكما فى عراء الحياة، ولم تُبق الأيام لكما سوى خيطاً من الحزن وخيطاً من الدموع وخيوطاً من الموت الذى لا يجيء!.

عالج هذا الجرح، لا يهم من ترك الآخر، ما يهم في هذه الأيام ما تعلمته من دروس، لا تكرر الخطايا، وكن ممتناً لمن صنع لك ابتسامة واحدة، أو ربت على كتفيك ولو مرة، أو أسكنك قلبه ولو ثانية، أو اهتم بك ولو قليلاً، "الحجات دي بفلوس بره".

قد يكون هذا الجرح موت أحد الأحباب، ربما أحد الوالدين أو أخ أو صديق أو معلم، انتهى عزاؤه منذ زمن، لكن ثمة مأتماً فى قلبك لا ينتهي، ودموعاً فى روحك لم تجف، وغربة حادة فى النفس لا تذهب، عالج هذا الجرح، صحح نظرة قلبك نحو "الله، الدنيا، المحبة".

تأكد أنك مهما بلغت رقة قلبك ورحمتك فالله أرحم منك، ومهما بلغت حكمتك فالله أحكم منك، فإذا كان الله حكيما ورحيما فسلم القلب لمن بيده القلب.

أنتما في احتياج إلى لقاء طويل طويل لا ينتهى، وهذا لا يكون فى هذه الرحلة القصيرة التي نسميها "دنيا"، هو هناك حيث المستراح الأعظم وجنة الخلد

تأكد أن الدنيا لا تصلح للقائكما، أنتما في احتياج إلى لقاء طويل طويل لا ينتهى، وهذا لا يكون فى هذه الرحلة القصيرة التي نسميها "دنيا"، هو هناك حيث المستراح الأعظم وجنة الخلد، كل ما في الأمر أنه سبقك إلى هناك ليستريح من أوجاع هذا العالم. 

وتأكد أن المحبة أقوى من الموت، مارس طقوس المحبة معه، تحدث معه بالدعاء كثيراً، كن كريماً وتصدق من أجله لتكون فى ميزان حسناته، اعمل صالحاً وهب الثواب إليه، تلك هدايا تُسعده، وهكذا لا تنتهى طقوس المحبة.

قد يكون هذا الجرح حلما جميلا صَعُبَ تحقيقه بسبب تقصير فى حياتك الدراسية أو العملية، جعلك تشعرك أنك لا تصلح للنجاح والمعالي، فأورثك كسلاً وخمولاً!

عالج هذا الجرح، كن وفياً لأحلامك، كن شجاعاً فى قراراتك، جريئاً فى تنفيذها، اسع ثم اسع ثم لا تحمل هماً فليس عليك إلا السعي، وسيكافئك الكريم بنتيجة تليق بكرمه.. فاطمئن.

الله لأنه رحيم وحكيم لم يُنزل داء إلا وجعل له دواء، ولا جُرحاً إلا جعل له التئاما وشفاء، فتداووا عباد الله. يحدثنا الأطباء أن المريض بعد الشفاء يكتسب مناعة ضد المرض تجعله أقوى، فقط لمن كان جريئا واعترف بالداء وتناول الدواء.. شفى الله جرحك وقوى قلبك يا صديق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.