شعار قسم مدونات

مدون عراقي.. غريبة!

blog - iraq
 
غريب أن يكون هناك عراقي مدون، فالعراقي الذي كان ذات يوم يفاخر بعلمه وتعليمه تجاوزه الزمن، بات غريبا عن عالم جديد، ساهمت ظروف عدة في تشكيله بعيدا عنه، ابتعد، رغماً عن أنفه ورغبته، فلقد حاصره الحصار حتى قضى على آخر مقومات معرفته أو كاد، وعانده التاريخ مرة أخرى يوم أن أدخله سجن الاحتلال، ليبقى بعيدا عن عالم آخر كان يتشكل خارج جغرافيا الوطن، وما إن بدأ يستعيد بعضا من عافية روحه التواقة، حتى كانت المليشيات وفرق الموت والنزوح وقصص التهجير الكثيرة تلقي بكلكلها عليه، فلم تترك له فرصة ليعانق الحرف وهو أول من أبدعه.
 
التدوين اليوم يطرق باب العراقيين بقوة، فلقد وجد فيه العديد من أصحاب الأقلام الجدد فرصتهم للتعبير ونقل واقع وطنهم 

بقي التدوين -كما بقي عالم الإنترنت- يتسلل خلسة، بعيدا عن أعين الظروف القاهرة التي أحاطت بالعراق إحاطة السوار بالمعصم، وشيئا فشيئا برز عراقيون يداعبون بأناملهم -التي اعتادت خشونة أقلام الرصاص التي أكل من طولها الحصار كثيرا- لوحة مفاتيح الحواسيب، والعالم الإلكتروني، فخرجوا للعالم بقصص كثيرة بعضها عرف الطريق إلى العالمية، حتى لم يكتفوا بمحيطهم العربي.

وقتذاك كان الأمر غريبا على معشر الكتاب، معشر محترفي الحرف، بعضهم لم يتأقلم مع هذا الاقتحام الغريب والكبير للحواسيب لعالم الورقة والقلم، بعضهم بقي قابعا خلف مكتبة أوراقه يرفض الاندماج لأسباب كثيرة.

التدوين اليوم يطرق باب العراقيين بقوة، فلقد وجد فيه العديد من أصحاب الأقلام الجدد فرصتهم ليس للتعبير فقط عن مكنونات عوالمهم الصغيرة وانما أيضا لنقل واقع وطنهم الذي ما زال على ما يبدو يدفع فاتورة نهضة لم تكتمل.

نعم، هناك وسائل الإعلام وما أكثرها في عراقي المحتل اليوم، ولكن بقيت تلك الوسائل الإعلامية وسائل دعاية وتلميع لهذا الحزب أو ذاك، لهذه الطائفة أو تلك، بقي الجميع يبيع عبرها الوهم للعراقيين.

كان فيسبوك عالما مختلفا، حلق معه العديد من العراقيين عبر العالم الأزرق إلى عوالم افتراضية بقيت تحاصرها الحدود وغياب التقنية الحديثة ردحا من الزمن، بينما بقيت الخصومة طويلة وكبيرة بين العراقي وتويتر.
 

أدركت جيوش الإعلاميين الإلكترونيين التي أنشأها سين وصاد من ساسة العراق أن تويتر وعصفوره الأزرق أكثر تأثيرا من فيسبوك وعالمه الأزرق، فكان أن حشدت كل الطاقات الإعلامية الموظفة لديها، لغزوة تويترية عاجلة إبان معركة الفلوجة الأخيرة، فغرد توتير عراقيا ردحا من الوقت، إلا أنه لم يطل المقام بهؤلاء، فلقد أدركوا أن لهذا العالم ضوابطه وأن له تقنياته التي لا يبدو أنهم كانوا يتقنونها جيدا، فعادت عصافيرهم غير المغردة مجروحة الكرامة، ليبقى تويتر فضاء للتعبير عن الآراء بعيدا عن التجنيد لها من هذا الطرف أو ذاك.
 

العراقي يتلمس طريقه صوب المدونات، فهناك الكثير مما يستحق أن يروى، وأن يعرفه القارئ مما لا تقبله وسائل الإعلام

فتحت مواقع التدوين المتعددة التي برزت مؤخرا أبوابها ونوافذها للمدون العراقي، غير أن بعضهم ممن بدأ في هذه المواقع المتخصصة بالتدوين، سرعان ما غادر هو الآخر صفحاتها، لأسباب بقيت في أكثر الأحيان شخصية وفي أحيان أخرى خشية من الملاحقة.
 

تعرف عزيزي المدون أني تركت التعليق على أحداث بلدي في صفحتي على الفيسبوك خشية على أهلي؟

تعرف أن بعضهم تلقى تهديدات بسبب تعليق كتبته هناك، رغم أني مواظب على كتابة المقال الأسبوعي في العديد من وسائل الإعلام العربية، ومواظب على التغريد؟ ولكن في الحالتين -الإعلام وتويتر- لا يبدو أن مراقبتها كبيرة كما هو الحال مع فيسبوك.

يتلمس العراقي طريقه مرة أخرى صوب المدونات، فهناك الكثير مما يستحق أن يروى، وأن يعرفه القارئ، والكثير مما لا تقبله حتى وسائل الإعلام، أو تضيق به حروف التغريد، فتجد حسابك معلقا لفترة أو حتى مغلقا.
 

ذات يوم قال لي الإعلامي والروائي القطري المعروف الأستاذ عبد العزيز آل محمود، إنكم أيها العراقيون تقرؤون كثيرا ولكنكم لا تكتبون، ولو كتبتم عما تعرضتم له خلال العقود الأخيرة لذهل العالم مما جرى لكم.

محق جدا يا أبا عمر، واليوم أمامنا فرصة لتعريف العالم بما كان وما جرى، فعالم التدوين الحر وبنفس حر وبأفق لا متناهي، فرصة كبيرة، لذا فإني أدعوك أيها العراقي إلى عالم التدوين، لتنقل وتقول ما رأيت وما شاهدت عبر سنواتك المؤطرة بالحصار تارة وبالاحتلالات تارات أخرى.
سنكتب هنا، فلا مناص لنا من هذه التدوينات التي ربما ستكون يوما ما وثائق تاريخية ترصد ما عشنا.

وإلى تدوينة جديدة قريبة، أستودعكم الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.