شعار قسم مدونات

حرية الإلحاد أم إلحاد الحرية؟

blog إلحاد

كثيرا ما يطلق وصف "متدين بطبعه" على أغلب الشعوب العربية بغض النظر عن دينها، وهو وصف واقعي إلى حد كبير، والعجيب أنه ليس من النادر أيضا أن ترى الذي يكفر ويشتم الذات الإلهية والدين في الشارع ثم لا يلبث صاحب كلمة الكفر أن يصرخ في نقاشه ذاته "وحّد الله" تناقض يحتويه الشارع ويطبطب عليه ويتغاضى عنه.

ولا يجرؤ أي شخص على أن يعلن الإلحاد على الملأ إلا تحت غطاء حزبي أو تياري أو فكري وفي الغالب ليس بشكل مباشر.
 

لمس المحرمات يعطي شهرة "خالف تعرف"، فبعض الذين اقترفوا هذه الأمور كتاب مردوا على المساس بالدين والمحرمات من قريب أو بعيد، بل واكتسبوا شهرتهم من هذا الباب

لكن شهدنا في الفترات الأخيرة أكثر من حالة لازدراء الدين في البلاد العربية. 
ففي الأردن مثلا: كانت البداية بجرأة البعض على إعادة نشر كاريكاتيرات شارلي أيبدو، تلاها قدح أكثر من كاتب في بعض الرموز الدينية من علماء وأساتذة جامعات، بل والشماتة في المعتقل منهم كالدكتور أمجد قورشة رغم عدم صدور لائحة اتهام تدينه، ثم مناداة الكاتبة زليخة أبوريشة بإغلاق مراكز تحفيظ القرآن، ثم منع درس لتفسير القرآن للدكتور أحمد نوفل وهو المعروف باعتداله وقربه من الجمهور، وأخيرا موضوع الكاريكاتير الذي يمثل الذات الإلهية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا أدعي أنني أحطت بكل الحوادث ولكن هذه أشهرها. 

تساءلت: لماذا يفعلون ذلك، لماذا يحاولون المس بالمقدسات والمبادئ، ما الذي جرأهم على ذلك، وما هو هدفهم؟
لعل الإجابة تتمثل -وربما لا تنحصر- في النقاط التالية:

الأولى: كما هي العادة لمس المحرمات يعطي شهرة (خالف تعرف)، فبعض الذين اقترفوا هذه الأمور كتاب مردوا على المساس بالدين والمحرمات من قريب أو بعيد، بل اكتسبوا شهرتهم من هذا الباب، ودخلوا التاريخ من أرذل أبوابه، وبعضهم كتاب عفا عليهم الزمن، ونسيهم الجمهور، فنفضوا عنهم غبار النسيان من خلال زوبعة في فنجان.

النقطة الثانية: موضوع "كل ممنوع مرغوب" يستهوي البعض، ويفكرون بطريقة طفولية، ويحاولون تجريب الأمور: ماذا لو كتبنا في المحرمات ماذا سيحدث؟ هل سيستفز ذلك الناس؟ أم سيظلون كعادتهم نائمين؟
 

قلة الرادع وضعف المدافع مما يدفع هؤلاء وغيرهم إلى التجرؤ على  المقدسات، ولا يخفى ضعف المسلمين عامة عن الدفاع عن قيمهم ومعتقداتهم

أما النقطة الثالثة: فيبدو مفهوم الحرية عند بعض الناس مشوشا، فالحرية لديهم أن يستطيعوا العبث بكل ما هو ثمين ومقدس ما لم يتعارض مع مصالحهم أو يشكل مصدر خوف لهم كالأنظمة، وهذا في الحقيقة عبودية للعقل المجرد وليس حرية وهذا يدفعنا إلى التساؤل هل يمكن أن تقود الحرية إلى الإلحاد؟

الرابعة: وأظن أن الكثيرين يدندنون حول هذه الفكرة ألا وهي نظرية المؤامرة، هم مدفوع لهم، أو مغرر بهم، أو مأخوذ عليهم، وغيرها من قائمة الأمور التي يفعلها أحد ما، ويُدفع هؤلاء لها، وأنا في الحياد من هذه الفكرة لأن نظرية المؤامرة ليست بالهينة، وشواهدها ليست قليلة، ولكن أن نعزو كل شيء إليها فذلك إجحاف وبحث عن شماعة.

وآخر هذه النقاط: قلة الرادع وضعف المدافع وهذا يقال في هؤلاء وفي غيرهم ممن تجرأ ومس المقدسات داخليا أو خارجيا، ولا يخفى ضعف المسلمين عامة عن الدفاع عن قيمهم ومعتقداتهم وأرضهم وعرضهم وكل ما يمثلهم.
 

إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن والحق الذي ليس معه قوة دروشة ومولوية لذلك لا بد من حدود وقوانين تردع من لا تردعه أخلاقه ولكن المصيبة أعظم إذا كان من يضع القانون أول المطبطبين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.