شعار قسم مدونات

رابعة هي القلب

blogs - rab3aheart
 
رزقنا الله برابعة لتكون خط الأفق بين السماء والبحر، الحد الفاصل بين الأبيض والأسود، فهي علامة فارقة وبصمة لا تنسى، إن رابعة ليست في القلب، بل إنها هي القلب.

أذهلني سؤال لماذا خرجوا؟ أيعتبرون أنفسهم دولة داخل الدولة؟

ففي ظني لم يطرح سؤال كهذا على مؤيدي مبارك حين خرجوا في ميدان مصطفى محمود لتأييده، ولا وجه للمقارنة بين رئيس منتخب ورئيس أمر واقع، فكان جوابي لم أسمعكم تعتبون على من سكنوا ميدان التحرير لعام كامل هي مدة حكم مرسي، ثم لم تلومون عليهم خروجهم ولا تلومون أنفسكم أن خرجتم في (ثورة) ضد الرئيس، فلم يرد أحد!

كان خروج الناس رفضا للانقلاب بمثابة رئة يتنفس بها أنصار الشرعية الذين لم يكونوا جميعا من فصيل الإسلاميين كما أشيع، فمن خرجوا كانوا من كافة الأطياف: إسلاميين، وليبراليين، ومسيحيين، وأحزاب، وحركات، ومن لا انتماء له. كان هؤلاء هم من غرر بهم وصدقوا مبادئ الديمقراطية التي دعا إليها علمانيو مصر ووضعوها أساسا للاحتكام بين القوى السياسية، من خرجوا هم من صدقوا أن يناير كانت ثورة، وأن السلمية تصنع المعجزات، وأن كلمة الشعب هي العليا، ثم ظهرت لهم الحقيقة جلية هناك في ميدان رابعة.

انتشرت المنشورات على مواقع التواصل بأسماء القنوات التي تبث من رابعة مباشرة وهرعت إلى كل من أعرف أطلب منهم أن يتابعوا هذه القنوات ليعرفوا حقيقة ما يدور هناك، فقوبلت بإهمال ولا مبالاة، وفاتني أن جلسات مجلس الشعب كانت تبث نهارا فيتركونها ليشاهدوا إعلام المسيح الدجال ليلا وأن خطب مرسي كان يقرؤها في الصباح فلا يلقوا لها بالا ليلتفوا في المساء والسهرة حول برنامج باسم يوسف ليضحكوا ويتضاحكوا ملء الأفواه.
 

لأول مرة تنكشف لنا السيقان الصناعية التي يقف عليها الكذب، شاهدنا في هذا اليوم من خرجوا من قبل مطالبين بالشريعة يعتزلون، ومن طلبوا الديمقراطية يتلونون

كانت مذبحة الحرس الجمهورى تمهيدا لمذبحة رابعة والنهضة، أو فلنقل كانت "جس نبض"، أصيب كل من تابعوا هذا اليوم بالذهول، فلأول مرة نرى كل هذه الدماء، كان البث مباشرا من المستشفي الميداني، كانت هناك أنهار دم دون مبالغة، كانت الإصابات أصعب من أن يتم علاجها بشكل مبدئى، وكان الناس يخشون ركوب سيارات الإسعاف لأنها ستأخذهم إلى السجن، فتزايد عدد القتلى فكفنوهم وصلوا عليهم، اختصرت اليوم كله جملة بسيطة قالها أحد الثوار البسطاء (السيسي طلع بشار) ومع هذا لم يدر بخلد أي من المعتصمين أن يمسحهم جيش بلادهم المكون من أبنائهم المجندين، من على وجه الأرض ببلدوزرات.

قال قادة العلمانيين الذين رفضوا المشاركة في حكومة مدنية بعد ثورة وهرعوا ليقبلوا المناصب التي عرضها عليهم العسكر بعد انقلاب تمهيدا لتسلم الحكم كما أملوا، إنهم لم يتوقعوا أن يتم الفض بهذا العنف، وكأنهم لم يمهدوا لذلك بفيرس الغل الذي حقنوا به الناس لعام كامل، وكأن قادتهم الكبار سنا الذين خبروا (ثورة) 23 يوليو لم يروا كيف فعل عبد الناصر بمعارضيه، بل كيف فعل برئيسه محمد نجيب، أصدق أن ما حدث ربما فاق تخيل الجميع، ولكن ألم يكن القتل والعنف والتنكيل والاغتصاب متوقعا أيا كان الأسلوب؟

ما حدث في رابعة لم يكن مذبحة للمعتصمين، بل كانت مذبحة أخلاقية وقيمية واجتماعية، لم ينقسم الشعب كما انقسم في هذا اليوم، ما حدث فيه لم يمزق الأبدان بل مزق النفوس؛ مزق المبادئ، مزق الروابط، مزق الآدمية، مزق كل طاقة تحمل كل فرد للآخر؛ لأول مرة نرى هذا القدر من الكراهية والسخط، لأول مرة نرى هذا القدر من التلاعب بالعقول دون سقف، ولأول مرة تنكشف لنا السيقان الصناعية التي يقف عليها الكذب، شاهدنا في هذا اليوم من خرجوا من قبل مطالبين بالشريعة يعتزلون، ومن طلبوا الديمقراطية يتلونون، شاهدنا من كانوا لنا مثلا وقدوة، من علمونا القيم في أسوأ رداء لهم، شاهدنا وجوها لامعة تسود، وأصواتا كانت تسلب القلوب تنبح.

سمعت بعدها تبريرات المفوضين، أن تلك صور من سوريا وليست من مصر، إذا فلم لم يكلفوا أحدا بسؤال أهل رابعة أنفسهم إن كان ما حدث محض خيال أم حقيقة؟

وشاهدت من قالوا إن هناك أسلحة ضبطت برابعة، ولا أعلم لمَ لمْ يستخدمها المعتصمون إن كانوا يملكونها فعلا؟

ولكن لا عجب، فعقول تقبل فكرة وجود كرة أرضية تحت رابعة تقبل أي شيء، شاهدت جثث القتلى ملقاة أمام مسجد رابعة المحترق وقالوا إنهم استخرجوها من تحت المنصة التي اعتقل المراسل عبد الله الشامى بسبب تقريره الذي يثبت أن هذا محض افتراء.

لم يخرجوا دفاعا عن مرسي كشخص، فمن يتابع مؤيدي الشرعية بشكل جيد سيعلم أن منهم من يراه على غير ما أرى مقصرا ضعيفا زنديقا لا يطبق الشريعة

كان مشهد حريق رابعة الهائل الذي تم تصويره بالطائرة مزلزلا للقلوب، ومنظر الجثث المحروقة في خيام النهضة قاتلا لكل من له قلب يشعر.

يقول العائدون من معسكر الانقلاب إن رابعة موقف إنساني، وإنهم يتضامنون معها لأنها تمس ملف حقوق الإنسان، ويالعجيب هذا الوصف "موقف إنساني".

نحن هنا لا نتحدث عن مجاعة تطحن شعبا أو وباء متفشٍ أو تسونامي ضرب أحد البلاد، نحن هنا نتحدث عن قضية شرف، عن قضية وطن، عن رفقاء ثورة استخدموا وسيلة أنتم من وضعتموها للاحتكام بين الفصائل، فلما وصلوا لما كنتم تظنون أنهم سيرفعونكم إليه اتهمتموهم بالسرقة والكذب والخيانة، وألصقتم بهم كل نقيصة، وفي النهاية قتلتموهم بيد من ثرتم معا عليه. ولمن يرى كلامي مبالغا فيه..
 

أتمنى أن يمتلك الشجاعة ليشاهد ما حدث في رابعة سرا بينه وبين نفسه، ربما يفهم بعدها حجم الجرح الذي في صدور أهل الشرعية الذين خرجوا للدفاع عن حق، عن استحقاقات انتخابية، عن صوت منحوه، عن طوابير في برد وحر وقفوا فيها ساعات طوالا، عن نجاح رئيس باعتراف الجميع، وبفارق بسيط كما في أعتى ديمقراطيات العالم، لم يخرجوا دفاعا عن مرسي كشخص، فمن يتابع مؤيدي الشرعية بشكل جيد سيعلم أن منهم من يراه على غير ما أرى مقصرا وضعيفا وزنديقا لا يطبق الشريعة، وأن عودته ما هي إلا استعادة للمسار الديمقراطى ثم يقرر الشعب بعدها عبر وسائل يتفق عليها كيف سيحدث التحول، إذا فأمر الاصطفاف هين لمن يدعي أن لديه الرغبة، إلا أن هؤلاء العائدين لا يرجون اصطفافا يا أبطال العالم في حمل الاصطفافات.

قالوا عنها إشارة، ويبدو أنها كانت بالفعل إشارة خطر كصوت جرس إنذار وإضاءات التحذير من قدوم قطار سيفرم بين عجلاته العقل والمنطق والاحساس والمروءة، سيفرم الأخلاق والكرامة والعزة، سيفرم مصر لتصبح جملة (أم الدنيا) مثار سخرية لا احترام، سيفرم حصاد سنوات ثلاث كانت حلما لنعود فنستغرق في كابوس عميق نسأل الله تعالى أن يفيقنا منه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.