شعار قسم مدونات

حكايتي مع رابعة

blog رابعة

حكايتي مع رابعة هي حكايتي مع الإخوان حيث التربية على الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة.
 

فهمت في رابعة أن ما حدث هو انقلاب عسكري على سلطة منتخبة، وأن هذا الانقلاب هو سلطان جار على حق الأمة في اختيار من يحكمها ويسوس أمرها، جار على الأمة حيث حل البرلمان، واعتقل الرئيس، وكلاهما منتخب بإرادة حرة، وعطل الدستور المستفتى عليه.
 

أختي التي رموها بتهمة جهاد النكاح إفك افتروه وأعانهم عليه قوم آخرون، فما وهنت وما ضعفت وما استكانت كما فعل أولئك ذوو اللحى المعطرة الذي آثروا السكوت والسلامة وتجردوا من النجدة والشهامة

وأمام هذا الاعتداء فإن تربيتي تلزمني العمل من أجل دفعه، وخير العمل هنا هو الجهاد، إلا أنه ليس في أيدينا ونحن في رابعة أي من أدوات القوة سوى الكلمة، فجاهدنا بها وعلا صوتنا ودوى هتافنا "يسقط يسقط حكم العسكر، حكم العسكر باطل باطل"، لكن كان للباطل كلمة أخرى "الإخوان خرفان"، وأعترف أنني ما فهمت هذه الكلمة التي روجت لها فضائيات وصحف وأقلام إلا بعد الاعتصام، كما أعترف أنني ما كنت أفهم قولهم "الإخوان باعوا قناة السويس لقطر، وحلايب وشلاتين للسودان"، إلا بعد وقوع الانقلاب.

 

فقد أرادوا بها أن يمهدوا الأجواء ليتقبل الناس فكرة إزاحة الإخوان بالقوة، فالإخوان خونة باعوالأرض، وذلك قطعا للطريق على أي تعاطف إنساني شعبي معهم حين تقع المذابح. ولكي يقطعوا الطريق على الإخوان في حقهم في الدفاع عن أنفسهم قالوا "الإخوان إرهابيون"، كما قطعوا الطريق عليهم من قبل بقولهم "لا لأخونة الدولة" ليمنعوهم من تطهير المؤسسات.

كنت مخلصا ومازلت لدعوة الإخوان ودفعني هذا الإخلاص إلى الاستجابة لكل تكليف بالنزول والمشاركة في أي مسيرة أو مظاهرة نتجمع فيها ونهتف ونستمع إلى بعض الكلمات ثم نختم وننصرف.
 

كان الاعتصام مختلفا تماما، فمنذ اللحظة الأولى لإعلان الانقلاب وجدتني عاقدا العزم على عدم الانصراف أو الرجوع إلى بيتي، فبيتي صار هو الميدان وأهلي هم المعتصمون فيه كبيرهم أبي وأمي، وصغيرهم أخي وأختي، أختي التي رموها بتهمة جهاد النكاح إفك افتروه، وأعانهم عليه قوم آخرون، فما وهنت وما ضعفت وما استكانت كما فعل أولئك الرجال ذوو اللحى المعطرة الذي آثروا السكوت والسلامة وتجردوا من النجدة والشهامة.
 

في مقابل هذه النماذج وجد في رابعة نماذج من طراز مختلف، علماء بحق ودعاة إلى الله بصدق تجردوا من الجبن والخوف وتحلوا بالنخوة والشجاعة متوجهين إلى دار الحرس الجمهوري، يتقدمون المئات من المتظاهرين، فقابلتهم رصاصات العسكر، وكانت هذه دلالة واضحة على أن العسكر لن يتورع عن القتل وسفك الدماء، فما تراجعنا ولكن مضينا حتى اعتصمنا أمام دار الحرس الجمهوري وعلا صوتنا بالهتاف وأناشيد الجهاد وذكر الله والقرآن، فما ارعوى هؤلاء عن ارتكاب جريمتهم وقتلوا العشرات في صلاة الفجر فيما عرف بمذبحة الحرس.
 

كنا في رابعة في أرض خوف نحرس وطنا من أن تسرق إرادة أبنائه وحريتهم وكرامتهم، أصابنا الخوف لكن ما جبنا عن المواجهة في النصب التذكاري، وقتل منا العشرات في مذبحة المنصة

كنا في أرض خوف نحرس وطنا من أن تسرق إرادة أبنائه وحريتهم وكرامتهم، أصابنا الخوف لكن ما جبنا عن المواجهة في النصب التذكاري، وقتل منا العشرات في مذبحة المنصة بعد جمعة التفويض فما زادتنا الدماء وارتقاء الشهداء إلا مزيدا من الثبات على المبدأ والتضحية في سبيله مستعينين على ذلك بالصلاة والصيام والقيام والقرآن، كأننا في مخيم تربوي يزكي نفوسنا ويقوي إرادتنا ويحرك عزيمتنا ويعلي همتنا.

 

لتأتي ساعة الفض يوم الرابع عشر من شهر أغسطس/آب 2013 ، قتل في يومها آلاف المعتصمين في رابعة، والنهضة ذلك الميدان الآخر الذي شهد مجزرة بين السرايات الأولى والثانية، وأحرقت فيه جثث المصابين والشهداء كما أحرقت في رابعة ورأيناها بمسجد الإيمان ورأينا معها كيف أن السلطات تشترط أن يكتب أن سبب الوفاة هو الانتحار أو حادث مروري كي تعطي التصريح لأسر الشهداء الذين توافدوا على مسجد الإيمان لاستلام جثث ذويهم، فلا كرامة إنسانية لمن أريق دمه ولا عيش بحرية لثائر حر يطاردوه أو يعتقلوه.
 

 هكذا إرادة العسكر، أما إرادتنا فقد استمرت ولم يكسرها الفض في التظاهر، واستمر إعلان الرفض القاطع لحكم العسكر وجرائمه، وسياساته التي تدور في فلك العدو التاريخي للأمة الذي عمل كشركة تسويق لهذا الانقلاب مستهدفا إيجاد شرعية دولية تمكنه من إبرام الصفقات وعقد الاتفاقيات وإجراء اللقاءات. وقد تم له ذلك لأنه يحارب الإرهاب المزعوم، وستظل سلطة الانقلاب رافعة تلك الشبهة، وحتى لو لم يكن هناك إرهاب فسيصنعونه هم لأنها تبني شرعيتهم وشرعية كل ظالم خائن قاتل مستبد وسر بقائه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.