شعار قسم مدونات

اقتلوا أحلامكم.. ولا تدفنوها جيدا!

blogs - road
أتذكر جيدا ذلك الشتاء البعيد قبل عشرة أعوام.. رأيت فيه صُدفة أستاذي عاطف أبو العيد في أحد أشهر المطاعم في مصر، وكنت حينها مديرا لهذه السلسلة الشهيرة المقربة هي وموظفيها إلى قلبي.

كان مبتسما وهو يُسلمُ عليّ، وفخورٌ بي، أعطاني كتابه الذي كان يتأبطه ووقّع لي على غلافه وأخبرني أن هذه الطبعة هي الثانية من كتابه الذي نفد سريعا في الأسواق حيث كان القراء يتسارعون على كتبه باعتباره خبيرا في التنمية البشرية.

المحظوظ فينا من يجد بجانبه صديقا يكبره ويعينه على توجيه طاقته صوب أحلامه

وكضربة الكرة التي تصيب الرأس فجأة، أربك "عاطف" كل حسابتي عندما باغتني في حديثه قائلا: ألم تتكن تتمنى أن تعمل صحفيا؟؟ لا بد أن تترك عملك الحالي مهما مهما كانت مميزاته وتبدأ طريق الصحافة.. وأنا معاك.

حينها صعقني الأدرينالين ودارت معركة ثقيلة في رأسي.. من أنا؟ وماذا أريد؟
هل سينتصر حاضري على ماضي ذاك الطفل الذي كان رئيسا للإذاعة المدرسية وكان يحلم أن يكون صحفيا وإعلاميا يوما ما؟

عندئذ أحسست بشعور نحو هذه المهنة التي كنت أعشقها دون أن أجربها.. ومن هنا بدأت تتموضع اللحظة الفارقة في حياتي.

وقف بجواري "عاطف أبو العيد" وساندني كثيرا طيلة عشر سنوات كاملة، درست وتعلمت وتدربت في دكاكين الإعلام وحتى أكبر المؤسسات الإعلامية. التحقت في البداية بصحف لا يعرفها إلا العاملون فيها، خضت عشرات التجارب مع أشخاص كثر لهم فضل علي.

ثم التحقت بوكالات أنباء وفضائيات عدة كمنتج تارة وكمراسل تارة أخرى ثم انضممت لقناة الجزيرة.. كل هذا كان بدعم من صديقي "عاطف" وزملاء آخرين عرفتهم خلال هذه التجارب.

إياك أن تقتل حلمك بيدك، وإن فعلت، فلا تدفنه جيدا.. فربما تجد صديقا يعينك، ويصحو حلمك يوما ما

"عاطف" لم أجده بجانبي اليوم.. فقد حال بيني وبينه السجن في مصر.. لُفقت له قضايا وحُكم عليه بالسجن بمدد تجاوزت عمري مرات ومرات!

خلاصة القول: إن لكل واحد منا كتلة متراصة من الأحلام ولديه أيضا كمية هائلة من الطاقة.. لكن المحظوظ فينا من يجد بجانبه صديقا يكبره ويعينه على توجيه طاقته صوب أحلامه.. هكذا فعلوا معي كثر "عاطف" وغيره كأبي وأمي وزوجتي وغيرهم، ولكلٍ قصصٌ وروايات.

أيها الجهابذة.. ساعدوا الشباب، لا تقفوا أنتم والواقع عثرة أمام أنهار أهدافهم الحالمة.. لا تغالوا في رسم صوة أكثر قتامة لمستقبلنا، واجعلوا من شبابنا برقا يخترق سواد الواقع.

أيها الشباب.. فتّشوا داخلكم عن أحلامكم ولا تستسلموا لمقولة "حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب".. إياك أن تقتل حلمك بيدك، وإن فعلت، فلا تدفنه جيدا.. فربما تجد صديقا يعينك، ويصحو حلمك يوما ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.