شعار قسم مدونات

من فتوح رابعة في قلوب محبيها

blogs anas wahab

مازال في الخلق صبغة من أثر رابعة، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فرابعة حين هلت صبغت صبغتها على الخلائق ففرقتهم حزبين، كل حزب بما لديهم فرحون. حزب رأى الحق أبلج فسلك طريقه غير آبه بما يفتريه المفترون، وآخر عاين الضلال بيّنا فأخلد إليه واتبع هواه، متخذا من كل نقيصة ردءا يصدقها، وبين الحزبين دماء أريقت بين الصبر والتحريض، والإعذار والتفويض، وسيلقى الضدان ربا عدلا كريما لا يظلم مثقال ذرة.
 

لم تكن رابعة حين أنشئت إلا ميدانا لاجتهاد سياسي أصاب أو أخطأ، لكن الثابت أنها تحولت لاحقا إلى حالة إنسانية عابرة للحدود، بما أريق فيها من دم المظلومين والمكلومين دون جريرة تستحق.
 

وفي رابعة دروس تتجدد، ومعاني تتوالى، نتذكر معها جزءا من حاضرنا المظلم، ونستلهم منها عبرا للمستقبل نتمنى أن تكون مشرقة، وفيها كانت المعاني تتجلى عن أوهام الحياة وحقائق الموت، وفيها أيضا تكشفت حجب الحقيقة حتى صارت عيانا بيانا.
 

من رابعة نستلهم فتحا كفتح مكة، فقد أراد أصحاب رابعة أمرا وأراد الله تعالى أمرا آخر. ومكر المتربصون بها ومكر الله تعالى فأقض مضجعهم وأذهب تدبيرهم.
 

رابعة لم تكن حين أنشئت إلا ميدانا لاجتهاد سياسي أصاب أو أخطأ، لكن الثابت أنها تحولت لاحقا إلى حالة إنسانية عابرة للحدود، بما أريق فيها من دم المظلومين والمكلومين دون جريرة تستحق

فتح رابعة كان يقينا في العقول والأفئدة، لمن أراد أن يتذكر أو أراد وصولا، وفتحها أيضا كان في استيقاظ ضمائر ران على قلبها الضلال، وآبت إلى رشدها ولو بعد حين، حين مثُل أمامها الدم المهراق أنهارا فأبت إلا أن تثوب إلى رشد الإنسانية السمحة دون زيادة الولوغ في لعنة الدم، كما أن فتحها كان في كشف أقوام ولغوا في الدماء وأصروا واستكبروا استكبارا حتى حملوا أوزارها كاملة وإن تعلقوا بأستار الزيف.
 

ولرابعة في دماء الناس صلة دم بما أريق على أرضها، منه كان المبتدأ وإليه ستكون النهاية، وبينهما تفاصيل كثيرة تتوالى تترا، وتتكشف فصولها كل لحظة، في شهادات توثق وكرامات تٌعرف وأرواح ذهبت إلى بارئها تشكو ظلم وقع واستفحل.
 

في رابعة روح تسري لا يعرفها إلا من شهدها، ولا ذاق حلاوتها إلا من بات على أرضها الطيبة وبين أناسها الأطهار، وعلى مقصلتها أيضا تقطعت أواصر كانت يوما ما وثيقة، انتصارا لمبدأ، وتفريقا بين حق أقره الدين والعرف، وبين باطل بني على الدم. ومنها تخرجت أجيال مختلفة من الرجولة الحقة والشهامة المطلقة والثبات النسوي العجيب، وضربت في سبيل ذلك أروع القصص الإنسانية البعيدة عن تعقيدات السياسة وروثها.
 

بعد رابعة علمنا معنى أنه لا حق في إقصاء ثمنه الدم، ولا يجوز معه التنازل مهما طال الزمن، وتبين لكثيرين حق أناس كانوا يوما ما أتقياء أخفياء في حياتهم لا يُعرفون ولا يُأبه لهم حتى اختارتهم رابعة من أصفيائها، كما تكشفت الحقيقة على دواخل كثيرين متعفنة بصور مختلفة، قولا وفعلا.
 

ذهبت رابعة بتفاصيل فعلها وبقيت حاضرة ماثلة في قلوبنا وأرواحنا. ذهبت الدماء وبقي أثرها؛ صورة موثقة وأثرا شاهدا على أكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.