شعار قسم مدونات

ماذا تقول ميادين تركيا لثوار الربيع العربي؟

blogs - turkey
في تدوينتي الأولى لمدونات الجزيرة، أجدني مترددا في الاختيار بين موضوعين؛ الكتابة عن فكرة الربيع العربي وما آلت إليه مصائر الشعوب، وبين موضوع الساعة الذى لا تزال وقائعه تجري في ميادين تركيا.. فاهتديت إلى الجمع بين الفكرتين، خصوصًا وأن هناك تلازما بين الأمرين.
 

ابتداء طرحت على نفسي سؤالاً.. تُرى ما الذي يمكن أن تقوله لنا ميادين تركيا؟ هل ثمة دروس ورسائل يمكن استشفافهما من هدير الميادين التركية؟ بالأحرى، ماذا يقول الشارع التركي المقاوم للانقلاب لثوار الربيع العربي الذين وجدوا أنفسهم أمام ثورات مضادة لم يتوقعوا لها الديمومة أو أن تكون بهذه الشراسة الماحقة!
 

سوف يؤثر فشل الانقلاب في تركيا إيجابا على معنويات المواجهين والمتصدين للثورات المضادة

ما سأكتبه هنا، هو تفكير بصوت مكتوب لشخص يحاول أن يرتدي دومًا قبعة المتعلِّم من الأحداث، ويسعى قدر المستطاع استشراف الأحداث بعيدًا عن منصة الواعظ والمرشد.. ورغم مساهماتي في تحليل المشهد السياسي عبر القنوات الفضائية إلّا أني أحاول دائمًا إبقاء حالتي الشعورية في استنطاق الأحداث عند مربع التعلُّم، وبالتّالي، ما سأكتبه هنا هو تكثيف لهذا النوع من التفكير أكثر منه تنظيرًا سياسيًا.
 

بدأت هذه الأفكار تتبلور خلال مقابلة تلفزيونية كنت فيها ضيفًا على القناة التركية الرسمية (TRT) العربية، وكانت الحلقة تتناول فشل الانقلاب وانعكاساته على ثورات الربيع العربي.. هناك ثلاث أفكار يمكن اعتبارها رسائل مستفادة مما حدث في تركيا:

 

الأولى: إعادة الاعتبار لفكرة الشارع
في تصورى أن الشعب التركي استطاع أن يُعيد الاعتبار لفكرة الشارع بعد أن تمكنت الثورات المضادة للربيع العربي من التشكيك في جدواها وقدرتها على المساهمة في صناعة الأحداث.. من الواضح أن خروج المواطنين الأتراك للشارع كان له دور بارز في إفشال الانقلاب سواء من الناحية المعنوية والرمزية، أو من الناحية العملية والإجرائية.
 

المشاهد التي نقلتها الفضائيات وعلى رأسها قناة الجزيرة ذكّرت الشارع العربي بمجدٍ قريب كادت الثورات المضادة أن تمحو ذكراه، وكما أن انقلاب مصر رفع معنويات أصحاب الثورات المضادة في دول الربيع العربي فسوف يؤثر فشل الانقلاب في تركيا إيجابا على معنويات المواجهين والمتصدين للثورات المضادة.
 

وكشاب يمني مناصر لفكرة الثورة اليمنية وثورات الربيع بشكل عام، مازلت أتذكر ليلة الانقلاب في مصر، وحالة القلق التي انتابتني على أثرها. عبرت عن تلك المخاوف على صفحتي في فيسبوك، وقلت إن ما يهمني من الموضوع هو أن سقوط أول رئيس منتخب بعد ثورة من ثورات الربيع العربي سيبعث الأمل في روح الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأعوانه. وهو ما حصل بالفعل، بل إن أحد أركان نظام المخلوع صالح كان مشاركا في مظاهرات 30 يونيو، وبعد 3 يوليو صرح من ميدان التحرير أنه سيتم استنساخ ما حصل في مصر.
 

باختصار، يمكننا القول إن ما حدث في تركيا سيساهم في تشكّل وجدان سياسي مقاوم للثورات المضادة في الشارع العربي.
 

الثانية: روح الشرعيّة
فكرة أخرى تبادرت إلى ذهني وأنا أفكر في السبب الذي جعل الشعب التركي يستجيب لنداء أردوغان بتلك السرعة، هو التمسك بالشرعية.. في المجال القانوني، هناك ما يسمى بروح القانون، يتحدث عنه القضاة عادة في حالة تعارض حكم مع ظاهر القانون، بهذا الفهم، للشرعية روح، وهي في اعتقادي أكثر صلابة من ظاهر الشرعية المتمثّل بنسب الفوز في الانتخابات.
 

روح الشرعيّة تتمثّل في مدى قرب الزعيم السياسي من شعبه، لأن ما جعل الشعب التركي يلتف حول أردوغان هو تمكنه خلال السنوات الماضية من الإجابة على أسئلة المواطن البسيط من خلال توفير الخدمات التي يحتاجها.. الشرعية ليست فقط الفوز بالانتخابات، إنما للشرعية روح تتمثل في الإجابة على أسئلة المواطنين ومدى اقتراب الفاعل السياسي من هموم المواطن.. وهذا درس لمن يمثّلون الشرعيّة في بلدان الربيع العربي.
 

المعارضة التركية نجحت حين اختبرتها القيم التي تنادي بها وكانت على مستوى تلك القيم، بينما في بلدان الربيع العربي كان الأمر مختلفا

وفي هذا السياق إذا ما استدعينا المشهد في اليمن، يؤسفني أن الشرعية ومعها التحالف حتى هذه اللحظة، لا تزال متعثرة في الإجابة على أسئلة المواطن البسيط في المناطق المحررة.. باعتقادي أننا بأمس الحاجة لكسب شعور المواطن في المناطق التي تقع تحت سيطرة الشرعية من خلال توفير ما يمكن توفيره من الاحتياجات الأساسية، هذا جزء مهم من المعركة، إذا أردنا الاقتراب من الحسم المنشود.
 

الثالثة: درس النخب السياسية
المعارضة التركية نجحت حين اختبرتها القيم التي تنادي بها وكانت على مستوى تلك القيم، بينما في بلدان الربيع العربي كان الأمر مختلفا.. في اليمن على سبيل المثال، أحد أهم العوامل التي ساهمت في سيطرة الحوثيين على صنعاء، وجود بعض القوى السياسية التي كانت تريد الانتقام من قوى سياسية أخرى حتّى لو كان ذلك على حساب الوطن برمته.

ما زلت أتذكر وبحسرة مقابلة أجراها أحد الإعلاميين الحوثيين مع زعيم حزب سياسي من المفترض أنه مقاوم للانقلاب، بيد أنه بدا خلال المقابلة منتشيا ومتشفيا من رفاقه في النضال ضد المخلوع صالح وجماعة الحوثي، بل وأثنى على زعيم المليشيات الحوثية.. لم ترتق النخبة السياسية في بلدان الربيع العربي إلى مستوى اللحظة التاريخية التي صنعها ثوار الربيع.
 

خلاصة 
ما حدث في تركيا هو جزء من مشهد كلي وفصل من فصول الصراع بين فكرتين.. صراع بين ماض يستميت من أجل البقاء، وبين مستقبل يتخلق بقوة وإصرار..
 

كانت ثورات الربيع العربي هي إحدى تجليات هذا الصراع ولم تحسم المعركة بعد.. أما ما حدث في تركيا فيمكنا القول إن الجولة حُسمت لصالح المستقبل، حيث شكّل فشل الانقلاب صفعة لكل مناصري الثورات المضادة في المنطقة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.