شعار قسم مدونات

رابعة بعيون كربلائية

blogs - bar3a

رابعة ذلك الجرح النازف باستمرار، ولن يتوقف النزيف قبل أن يُقتص لضحاياها سواء أكانوا شهداء أو جرحى أو معاقين أو معتقلين أو مطاردين.
 

هذه الديباجة أصبحت ضرورية، كلما أردت أن تتكلم عن رابعة لا بد لك أولاً أن تقدم فروض التعاطف والتأييد قبل أن تتفوه بكلمة تعليق أو نقد لما حدث في رابعة، لأنك لو لم تقدم هذه الديباجة فأنت تجلد المظلومين وتقهر المعتقلين وتترك الجلاد حراً طليقاً! هذا السيف المسلط على رقابنا كلما اقتربنا من الأمر يخنقني ويكاد يفتك بعقلي وقلبي.

الطريقة الكربلائية لن تُفيد ولن تُرجع حقاً، لا بد لنا أن نُعيد التفكير في رابعة وما حدث فيها، لماذا وصلنا لهذه الحالة؟ لماذا لم يفكر المسؤولون عن هذا الاعتصام في احتمالية فضه بالقوة؟ لماذا عندما استعر القتل لم يُؤمر الناس بالانسحاب، وكانوا سيستجيبون كعادة الإخوان؟

نتذمر قليلاً على القرار ثم نوافق لأنها شورى ربانية من قيادات تعلم وتفهم، نُعيد التفكير لنستخلص العبر، نُعيد التفكير للمحاسبة والمعاقبة وإقصاء المقصرين ويكفيهم ما جنته أيديهم ببلادهم ودعوتهم وإخوانهم، ولا داعي لأن يخرج عليّ أحدهم شاهراً سيفه بأنهم معتقلون ويكفيهم ما هم فيه.
 

 يجب فصل الممارسة الدعوية عن الحزبية، والتفرغ للعمل التربوي والدعوي وترك المنافسة السياسية والكراسي لغير الجماعة

أعلم أيها الفارس أنك تشهر سيفك في المعركة الخطأ، فليس كلهم معتقلون، هناك منهم من يعيش حراً طليقاً في أروقة الدوحة وفنادق إسطنبول وقصور لندن وكومبوندات جوهانسبيرغ.. المعتقلون من القيادات ندعو الله لهم بالفك والعون، أما غيرهم فلا بد أن نضعهم أمام مصائبهم.

هناك منهم الذي لم يستح حتى الآن يدافع ويناكف، لا تعلم عن أي شئ، اللهم إلا الحفاظ على مكتسباته أو الدفاع عن غير علم، وهذا ما ألفينا عليه آباءنا. كثير منهم يجب ألا يُسمعنا صوته ولا يصم آذاننا بنعيقه في قنواتهم، بل يجب عليه أن يعتكف في بيته ليراجع نفسه ويعيد حساباته ويكفينا منه ما جنت يداه.
 

ولماذا أصلاً تضطرونا أن نحاسبكم على رابعة؟ الحق أننا يجب أن نحاسبكم أشد الحساب على ما أوصلنا لرابعة، فترة الدكتور محمد مرسي وما بها من أخطاء، فلا خطط موجودة ولا برامج مدروسة ولا قدرة على مواجهة المؤامرات، كفاءة أي مسؤول سياسي تعتمد بشكل ما على قدرته على مواجه العقبات والمؤامرات والخروج منها منتصراً أو علي الأقل غير منهزم، ومن كان يظن أنه سيقود سفينة بلد محوري كمصر دون أن يُكاد ويُدبر له فليذهب إلى بيته وليترك الدفة لغيره بسلاسة.
 

وليس فترة الدكتور مرسي فقط بل الفترة الممتدة منذ تنحي مبارك وحتى انتخاب الدكتور مرسي، فترة تحتاج لمراجعات كثيرة واعتذارات كبيرة وقرارات حاسمة ناتجة عن استفادة من المراجعة، الحزب نفسه وطريقة إدارته واختيار قياداته وقراراته تحتاج لإعادة نظر، ولا داعي لأن تقول إن التجربة لم تأخذ وقتها وقصفت باكراً، هذه صحيح جزئياً لكن كانت هناك أخطاء لا علاقة لها بالخبرة أو الممارسة، بل هي أقرب للبدهيات، فأي مؤسسة عند تأسيسها تضع قواعد لاختيار مسؤوليها، ومع الاستمرار والخبرة تتحسن هذه الشروط وتتطور، ولكن في حالتنا ما كانت توجد هذه الشروط فضلاً عن أن تتطور.
 

الاسترسال في هذه الأمور لن ينتهي، وكما يقولون في الفم كثير من الماء، ولكن حتى لا نُتهم بأننا من مجاهدي فيسبوك أو راغبي الشهرة أو الذين يتكلمون بلا عمل، وحتى لا يخرج علينا أحدهم بكلامه الذي يلوكه بعضهم بطريقة مستفزة من قبيل "ماذا فعلت أنت؟" أو "أعطني مقترحات".. من باب جدد العهد وجنبني الكلام، سأقول لك يا عزيزي ما الحل من وجهه نظري لنخرج من النظرة الكربلائية التي لن تنتهي.
 

يجب أولاً التخلص من كل قيادات هذه المرحلة جميعهم من كل الأطراف وإعادة البناء على أرضية نظيفة. يجب أن نتواصل مع كل شركاء الوطن وأن ندخل معهم في حوار دون شروط مسبقة، اللهم إلا إطلاق الحرية وفك قيد المعتقلين وعودة المطاردين وحق الشهداء وأهلهم ودماء المصريين كلها حرام.. تبدأ هذه الحوارات في الخارج وبين الشباب في كل الأماكن بل يجب أن يتم الأمر في السجون وداخل أقفاص الحجز وعربات الترحيل.
 

أعلم أن الأمر ليس سهلا ولكنه النتيجة النهائية التي تستحق المغامرة والتضحية، يجب مراجعة كل أدبيات الإخوان وإعادة النظر في الأسس التي بثها الشيخ حسن البنا، قراءة من أجل إعادة التأسيس، قراءة نقدية حقيقية، يُستعان بذوي الخبرة والفكر والعقل حتى ولو كانوا من غير الإخوان.
 

من أهم الأمور التي يجب إعادة مراجعتها فصل الممارسة الدعوية عن الحزبية، والتفرغ للعمل التربوي والدعوي وترك المنافسة السياسية والكراسي لغير الجماعة، كي لا تتحول المنافسة على الحكم من إستراتيجية كانت جيدة في ظروف ما إلى هدف وغاية في حد ذاته.
 

الكلام المنمق والعاطفي والكربلائي عن رابعة هو كلام للتخدير ودغدغة المشاعر لا أكثر، أما الكلام المؤلم الجالد للذات هو الحل للتعلم من الدرس

التركيز في العمل مع المجتمع وغرس قيم العلم والانتماء وحب الوطن والحرية والكرامة والعدل، هذا الميدان يحتاج لجهد كبير وهو ميدان البناء الحقيقي، وأي فرد من أفراد الجماعة أراد السياسة ورأى نفسه مؤهلا لها فليشترك مع من شاء ويكوّنوا حزباً ما، أو يشترك في حزب موجود وفاعل معتقداً أنه يتلاءم مع ما يؤمن به، لا داعي للحجر على العقول وإلزام الأفراد بالانتماء الحزبي. جماعة الإخوان كانت تجيد ميدان التربية والدعوة، لكن عندما تحولت السياسة لغاية بذاتها للتنظيم ضاعت التربية والدعوة وفُقدت السياسة.
 

الشباب هو عماد أي مجتمع أو تنظيم، فيجب علي شباب الإخوان أن يعتمدوا على ذواتهم في ظل هذا التناحر بين القيادات، ينمّوا أنفسهم في مجالاتهم التخصصية والعلمية، التركيز على مدارسة العلوم الإنسانية مثل علم النفس والاجتماع والفلسفة والاقتصاد والسياسة، فمن يتطلع للقيادة يجب عليه أن يفهم طباع البشر والجماهير.

جهز نفسك فأنت أمام خيارين لا ثالث لهما إذا كنت ترغب في العمل داخل هذا التنظيم، إما أن يُستبدل هذا التنظيم وهذه الفكرة بفكرة وتنظيم أفضل وأوعى وأقوى وعندها انقل بوصلتك، وعندما تكون لديك قدرات ستُفيد في هذا الجديد وتصبح إضافة ولا تتحول مرة أخرى لمجرد تابع.

هذا خيار، أما الثاني أن تُفتح مسالك التغيير والتعديل داخل هذا التنظيم وهذه الفكرة، ووقتها يجب أن تكون مستعداً ولديك ما تضيفه وتصنع به نقلة، ولا تترك مجالاً للمنتفعين والمتسلقين الذين سيرجعون مرة أخرى ويقولون لك "كأن لم تكن بينكم وبينه مودة".

الكلام المنمق والعاطفي والكربلائي عن رابعة هو كلام للتخدير ودغدغة المشاعر لا أكثر، أما الكلام المؤلم الجالد للذات هو الحل للتعلم من الدرس، والخروج من هذه الهوة العميقة الكالحة السواد، وهو طريق إخراج المعتقلين وإرجاع حق الشهداء وعودة بلادنا لطريق ثورة يناير ثورة الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.