شعار قسم مدونات

أن تموت باختلاف

blog اختلاف

أن تكون ابنا للثورة السورية، منها ولها، وليد لحظاتها الأولى، وشهيد معاناتها الحية؛ ذلك يعني أن تحب باختلاف، ترى باختلاف، وتموت كل يوم باختلاف.
 

نحن لا نحب كما تحبون، لا نعشق بنفس الأسلوب الذي تتبنون، كما أننا لا نقيم بالطريقة المثلى بالنسبة إليكم؛ كل ذلك أعزوه لسبب وحيد يتيم اسمه "الوطن"، لا أقسى على الإنسان من حادثة فقدان الوطن، فقدان الذات، وفقدان كل تلك الأرواح التي ما زالت تتسلل في ثنايا الروح، تلعب بكل أسباب العشق، مسجلة في شباك الحب، ترفع رصيد وطنيتنا على كل شاشات الوجود.
 

تنقل عيونك بين جدران ممر يحاول أن يحتويك، تنقلها بين عيون كل المحيطين بك، لكنك هنا بالتحديد لن ترى سوى نفسك وذلك الضيف الغثيث الخاطف المسمى "الموت"

لا جريمة أقسى على الإنسان من جريمة "الاقتلاع"، الاقتلاع من المنابت الأولى، من أزقة الحب الأولى، ومن كل تعابير الوجه الأولى، القاتل هنا بالتحديد أنك ستحمل الوطن في جيوبك مجموعة ذكريات وقصاصات ورقية تعني الكثير.
 

أنت هنا ستحمل الوطن جنينا لن يولد من جديد، لأننا نمشي في الطرقات بحثا عن التفاصيل، نركب الموج في محاولة يائسة منا للحياة، فتموت شهوة الحياة فينا، لأننا نقيم مراسم العرس فوق شظايا الجروح، نخرج بالياسمين إلى كل مخيمات الألم، لأننا نضحك وسط كل هذا الزحام، نضحك لنعاود البكاء، لأننا نصنع من وسائد الليل المبللة حلبة لاسترجاع الذكريات، لأننا نحتفظ بكل روائح الكعك والقهوة، ولأننا شيعنا الوطن على نعوش أيامنا؛ نحن نحب باختلاف.

هل جربت الوقوف يوما وحيدا في مواجهة مع الموت؟ وكأن ميناء النهاية يتربع على بعد دقائق منك وأنت الذي تقيس المسافة بدقائق الساعة، تنقل عيونك بين جدران ممر يحاول أن يحتويك، تنقلها بين عيون كل المحيطين بك، لكنك هنا بالتحديد لن ترى سوى نفسك وذلك الضيف الغثيث الخاطف المسمى "الموت"، لأنك ستكون في حالة اتصال مع الله تتجلى في أوج أشكالها، ولأنك ستتلفظ الشهادة مرات لا تعد ولا تحصى، لأنك سترى بقلبك، تموت بخوفك، وستنقل روحك هنا وهناك؛ نحن نرى باختلاف.
 

نحن نحمل الوطن على ظهورنا حقائب مدرسية، نضمه إلى صدورنا بين دفات الكتب، نحمله على بندقية شبعت من قبلات مشاريع الثكالى

هل جربت يوما الحديث مع شخص آخر من وراء الحدود؟ هل جربت استنشاق صباحات البلد من مسافة تبلغ آلاف الكيلومترات؟ هل جربت أن ترى وطنك خطوطا على خريطة؟ أنا جربت، تعلقت ومت، لذا سأظنك كذلك.

لأن "صبوحة ماتت" ولأنني "إنسان مالي حيوان وهالعالم كلا متلي"، لأنها تأبى الظهور "عمو لا تصورني مالي محجبة"، لأننا نموت ليحيا الوطن، ولأن الوطن يحيا بنا ونحن الموتى فيه؛ نحن نموت كل يوم باختلاف.

نحن نحمل الوطن على ظهورنا حقائب مدرسية، نضمه إلى صدورنا بين دفات الكتب، نحمله على بندقية شبعت من قبلات مشاريع الثكالى، وكل وعود الحب العاثر..

نحن سنحب، سنرى، وسنموت باختلاف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.