شعار قسم مدونات

المغرب أفقا للثقافة

blogs - magrib

إذا ما نظرنا إلى العالم الإسلامي باعتبار ما تشكّله أقطاره من فسيفساء حضارية وثقافية بموروثها الإنساني، فإننا سندرك حتما أن مغربنا الكبير الذي ننتمي إليه انتماء اجتماع ومعرفة يتفرّد بهويّته الثقافية، وإن كان يشترك مع بقية الأقطار الإسلامية في عامل الوحدة ونقصد المقوم الروحي.

تاريخيا وتحديدا فيما قبل الإسلام لم يكن المغرب الكبير متصلا بالحياة العربية ولا كان يُشكّل فضاء للجنس العربي، وبعد الفتح نشأت الحواضر المغاربية وأضحت ذات حضور ثقافي ومعرفي عظيم في العالم الإسلامي.

على الصعيد السياسي فإن الدول التي قامت في بلاد المغرب شكّلت أولى الكيانات السياسية المستقلة عن الخلافة الإسلامية المركزية في المشرق.

تعتبر الهوية أساسا لاستمرار أي مشروع في بلادنا العربية عموما، ويشكّل هذا الموضوع مأزقا ثقافيا حقيقيا للمغاربة اليوم

سرعان بعد ذلك ما قامت أقطاب علمية في شتى ربوع بلاد المغرب، فكانت القيروان، بجاية، تلمسان وفاس التي تأسس فيها أول مركز علمي مغاربي وهو جامع القرويين، أصبحت بعد ذلك بمثابة الحصون التي ذادت عن حمى الهوية المغاربية من شتى محاولات الطمس السياسي، واشتركت مختلف هذه الأقطاب في تكوين شخصيات معرفية مثلت نجوما ساطعة في سماء الثقافة والفكر المغاربي، ما عزّز أواصر الترابط والقيم المشتركة بين المغاربة.

كل هذا جعل المغرب العربي يكتسب منذ قرون هوية ثقافية يتميز بها، رغم أنه بقي ككيان جهوي "متأرجحا منذ اعتناقه الإسلام بين مشروع المجمتع العشائري، كمشروع الأمة، وبين حقيقة ثوروية صمدت في وجهه مما اضطر المغاربة إلى تأجيل تجسيد هذا المشروع إلى ما لا نهاية" كما يقول الخطيبي.

وتعتبر الهوية أساسا لاستمرار أي مشروع في بلادنا العربية عموما، ويشكّل هذا الموضوع مأزقا ثقافيا حقيقيا للمغاربة اليوم ، خصوصا وأن التجربة الكولونيالية أعادت رسم منطقتنا ثقافيا ومفاهيميا، وكذا التجارب السياسية الفاشلة والنزاعات الإقليمية التي كانت ذات أثر بليغ في تاريخنا المعاصر.

يذهب الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبد الكبير الخطيبي إلى كون المغاربة لم يتمكنوا من بلورة ثقافة تاريخية مكتوبة، مع مساهمتهم الحضارية المنقطعة النظير في الثقافة العالمة رغم أنها كانت ذات انتماء مزدوج أندلسي-مغربي، وذلك راجع لعدة عوامل تاريخية واجتماعية: أهمها الحروب الاستعمارية التي تعرضوا لها والتي أعاقت فكرة الوحدة وحالت دون الاستقرار السياسي، وغياب دولة منظمة بيروقراطيا بصورة قوية.

سنحاول تثبيت مصافي الوعي أمام ما يحاول الاستعمار القديم من خلال نخبه الجديدة القديمة تجريفه

وقد رفض حتى الأمازيغ قبل الإسلام تبني كتابة "التيفيناغ"، لقد صادموا أي تنظيم مجزّء للقبلية، دون أن ننسى عامل السلطة اللامركزية المهيمنة، يقول عبد الله العروي "الحرف يخدم اللغة واللغة تخدم الثقافة والثقافة تخدم المجتمع".

إن أكبر ما يعانيه مغربنا العربي اليوم هو ارتباطه وتبعيته المفروضة عليه للفضاء الثقافي لمستعمر الأمس، وهذا فضلا عن أنه انعكاس للانهزامية الحضارية أمام الآخر والشعور بالخوف والنقص تجاهه، فإنه يعود إلى رغبة المستعمر القديم في فرض سيطرته الثقافية على فضاءه الاستعماري القديم عبر نخبه السياسية الحاكمة لمجاله الحيوي.

يقول الراحل المغربي المهدي المنجرة "إنّ القويّ يرغب في تكيّفك مع ثقافته بقدر ما يميل الضعيف للتشبّه به"، سنتحدث عن تحدياتنا نحن المغاربة في شتى المجالات الحيوية، عمّا يحول بيننا وبين قيام وحدتنا المنشودة، سنحاول تثبيت مصافي الوعي أمام ما يحاول الاستعمار القديم من خلال نخبه الجديدة – القديمة تجريفه.

سنكون صدى وصوتا ممتدا إلى غاية الساحل الإفريقي، مجالنا الإستراتيجي والثقافي كذلك، وهذا لا يعني الانغلاق، فالثقافة تقتضي الانفتاح الواعي الذي يتبنى رؤية التنوع داخل نفس الثقافة، سنناقش مطولا قضايا الحداثة التي تثيرها النخب التنويرية المغاربية، انطلاقا من كونها إعادة قراءة دائمة للماضي في رؤية مستقبلية للتاريخ كما يقول صاحب (قيمة القيم)، فليست بضاعة نبتاعها أو نماذج جاهزة للتطبيق ننقلها كما هي، لكنها تصورات تتطور وتتكيف مع تحديات الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.