شعار قسم مدونات

جماعة فتح الله غولن كما أعرفها

blog فتح الله غولن

أول قدومنا إلى تركيا كان عندنا مآخذ عليهم، بالنسبة لاعتمادهم على مصدر واحد لثقافتهم ألا وهو رسائل النور للشيخ سعيد النورسي رحمه الله، وثمة مأخذ آخر هو تعوذهم من السياسة، وعندما بدأنا نفهم المجتمع التركي أكثر وأكثر رأينا أنهم -على الأقل- الجماعة المرتبطة بفتح الله غولن مباشرة من خلال وقف الخدمة (وقف الخدمة الآن تغير، والقائمون عليه يتعوذون من غولن!) عما كان عليه في القديم.

 

جماعة غولن تتكئ على قاعدة عريضة من أصحاب الأموال، وعبرها تمكنت من النفاذ لمفاصل الدولة، أما الأفراد فأكثرهم من أصحاب الفكر المعتدل ولكن لا حيلة لهم حيال أصحاب المال

المهم في الأمر كنا نحن عند قدومنا لتركيا مضطهدين في بلادنا، فلذلك كنا نرى أن أربكان رحمه الله وجماعته هم الأقرب لنا من حيث الهدف والاضطهاد أيضا، ولقد عايشنا فترة الصراع العنيف بين الحركة الإسلامية التي كان يرفع لواءها أربكان وبين فتح الله غولن الذي كان يتهجم على أربكان بشدة، وكان الأتراك هنا ينقلون لنا صورة من إحدى صحفهم يصورون فيها أربكان -زورا- وهو يشرب الخمر! ولم نكن نفهم السبب من صراع جماعتين إسلاميتين، كان عند أربكان -رحمه الله- فكر منفتح على الجميع، واستطاع بذكائه أن يكسب لصفه الكثير ممن كانوا يحسبون في مربع العداء له باستثناء فتح الله غولن والبطانة القريبة منه.

 

وكان غولن يقف لأربكان بالمرصاد في كل محاولة له للاقتراب من السلطة، فكان يوجه أصوات الناخبين للإدلاء بها لأحزاب علمانية وأحيانا لأحزاب يسارية نكاية بأربكان، ولكن الأمر تغير مع أردوغان وفريقه عندما انشق عن أربكان لأسباب أراها وجيهة، فبدأت جماعة غولن بالتقرب منه وهو بدوره بدأ بالتقرب منها، لعلمه أن لها وجودا مكثفا في مفاصل الدولة، خصوصا في الشرطة والقضاء.

استمر هذا الغزل بينهم واستفادت جماعة غولن من هذا التقارب والغزل، فزادت من قوتها ومن نفوذها في الدولة، واستمرت على هذا الحال إلى أن توترت العلاقات بين تركيا ودولة العدو الصهيوني، فكان لهذه الجماعة مطالب ليست بالقليلة من أردوغان وحكومته، وأخطرها طلبها عزل رئيس وكالة الاستخبارات التركية فيدان خاقان، ومطالب أخرى تتعلق بنسبة تمثيلها في البرلمان، وأشياء أخرى، لأن الدولة كانت مقبلة على انتخابات برلمانية.
 

وهذا ما جعل حزب العدالة والتنمية يعيد النظر في التقارب بينهم، وبدأ يدرك خطرهم على برامجه النهضوية لتركيا، فبدأت روح العداء بينهم هي المسيطرة، إلى أن وصلت لما وصلت إليه الآن.. والشرح يطول في هذا المجال.

أما عن قناعتي في جماعة غولن فهي تتكئ على قاعدة عريضة من أصحاب الأموال، والتي استطاعت من خلالها النفوذ والتحكم في العديد من مفاصل الدولة، ولكن الأفراد -بل الذين يشكلون الأغلبية منهم- هم من أصحاب الفكر المعتدل، والذين يحبون بلدهم وخدمته، ولكن ليس لهم حيلة حيال أصحاب المال.

وأظهرت الانتخابات الأخيرة خلال السنتين الأخيرتين أن أصحاب المال في هذه الجماعة لا يسيطرون على القاعدة الشعبية فيهم، لأن حزب العدالة والتنمية وأردوغان فازا في كل الانتخابات بنسب كبيرة، مما يعني أن القاعدة الشعبية كانت مع الحكومة، وليست مع توجهات أصحاب رؤوس الأموال من جماعة غولن.
 

أصحاب رؤوس الأموال في الجماعة لا يستبعد تعاونهم مع جهات مشبوهة بل عدوة لأمتنا، مع تحييد الكثير من أبناء هذه الجماعة من هذا التعاون

وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لوجودهم ونشاطهم في تركيا هي محاولة الانقلاب الأخيرة هذه، فلقد اغتروا كثيرا بنفوذهم داخل الدولة وقاموا بفعلتهم الشنيعة.

إن كان لا بد من كلمة أخيرة هنا فهي أن أصحاب رؤوس الأموال في الجماعة لا يستبعد تعاونهم مع جهات مشبوهة بل عدوة لأمتنا ولقضايانا، مع تحييد الكثير من أبناء هذه الجماعة من هذا التعاون، وهم الذين ذكرت أنهم ينتمون للقاعدة الشعبية في الجماعة، والكلام يطول.

كلمة بعد الأخيرة.. بالنسبة لالتزامهم الديني هم مثل غيرهم في باقي الجماعات في هذا المجال، وهم ملتزمون بشكل عام، ولكني لاحظت أنهم لا يرتادون المساجد مع عامة الشعب التركي، بل يصلون في جماعات داخلية بينهم، كما أن فئة منهم يتساهلون في العبادات، والتستر من أجل وصولهم لهدفهم، والضباط منهم بشكل خاص، فتراهم يتأقلمون مع العلمانيين مثلا حتى أنه يصعب عليك تمييزهم منهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.