شعار قسم مدونات

قرابين

blogs - Offering
 
"شيء – نبات أو حيوان وأحياناً إنسان – يقدم للقوى التي يعتقد البشر أنها تتدخل في حياتهم، خوفاً أو حباً، إبان أوقات محددة دورية أو لحدث بعينه، وعادة ما يرتبط تقديمه بطقوس أخرى يُجري شعائرها وفق ترتيبات معينة كاهن أو كاهنة، كما يمكن لأي شخص أن يقوم بذلك وفق اختلاف العقائد والأحوال".

انتهى تعريف ويكيبيديا للقربان.

لعل من أسوأ ما نتج على صعيد تغير المزاج العربي في السنوات الخمس الأخيرة – أو لعله طفا لا أكثر – دفعك لتقديم قربان فكري قبل سرد رأيك، قربان تقدمه خوفا أمام الكهنة الذين يجلسون حولك وبجوارك كي لا يحل عليك غضب القوى التي ستفسد عليك حياتك.

لا يمكنك البدء في نقاش ما بتمهيد ومقدمات، والانتقال نحو جوهر/بؤرة/موضع النزاع وطرح

تكلم يا سيدي تكلم، أنر طريق غيرك، أو دعه ينر طريقك. تكلم ولا تخش، وإياك والقرابين، ما أسن إلا الماء الراكد.

الأسئلة والبحث عن النتائج، إنما ينبغي أن تطرح قربانك: "أنا مع فلان / أنا مع كذا" كي تسمح الآلهة لآذانها بالعمل بعد الرضا عليك، حينها يمكن أن تستدرك: "ولكن..". هذا يجرك فورا نحو نتيجة محسومة أخرى تفيد بأن لا يحل لفُلك الجلسة أن يحوي انتماءات أخرى لغير "فلان" أو "علان"، أو كما أسماها أحد أبناء العمة: "نظرية فيدرر – نادال"، فإما أنك معنا، وستطرح ما ترفع به من معنوياتنا حتى السماء: قصص وروايات وأحلام ورؤى جميعها من "ثقات"، أو لعلك تملك "شبهات" تطرحها بكل توجس مستعيذا بالله ألف مرة من وساوسها وسنقصمها لك فورا، وإما أنك أخطأت الباب، فاخرج مذموما مدحورا نحو الفريق الثاني هناك.. نحو المرآة الأخرى.

سنة كونية أن تظهر النتيجة بعد نقاش والحكم بعد مداولة، سنة كونية ألا يُعلن عالم عصارة نتائجه قبل دراسة مستفيضة يفني فيها سواد شعره، سنة كونية أن سيحاسبك الخالق قبل أن يُحكم عليك بمصير أبدي، ما فائدة جلسة لا يرجى منها شحذ ولا دب حركة في خلايا دماغك؟ ما فائدة نقاش استجراري حفظت مساره والتفافاته ونتائجه شكلا ومضمونا؟ ما الفائدة من هز الرؤوس ورسم ابتسامات سخيفة على شفاه متظاهرين بالصدمة عند وصول – مختصر – لنتيجة معروفة قدمت أصلا بداية المحفل كقربان؟

لم يأمر داود سليمان بالصمت في مجلسه عندما اعترض على حكم أبيه علنا، ولم يعنف النبي
الحباب بن المنذر حين اعترض على منزل القتال أثناء المعركة، وما أعمل عمر درته فيمن اعترضت على حكمه في المهور أمام من في المسجد، وتُؤمر الآن بالصمت بحجة الزمان غير المناسب – ولا تدري متى كان مناسبا -، وبحجة حكم ألبسوك إياه بتفاهة عقلك، وبحجة حكم آخر بإفلاسك أمام من نصبوهم أصناما للرأي، وكأن هؤلاء – المنصّبين – وعد بهم الرب أو بشر بهم أحد الأنبياء في زبوره. وافطن – يا رعاك الله – أنك إن استشهدت بموقف سليمان أو الحباب أو المرأة إياها فسيكسو وجوههم إجلال ووقار لا مسبوق، أما أن فعلت فعل أي منهم ووافقت خطاك خطاه فستبدأ كتيبة القصف العشوائي بالإعداد لمراحل التخلص منك.

ماذا إن لم تقتنع بفيدرر ولا نادال؟ ماذا إن ملكت قائمة بلاعبين آخرين جاؤوا بأساليب جديدة؟ ماذا إن قدمت دراسة تفيد بأن الفريقين يعودان بالتنس إلى الوراء؟ ماذا إن لم تكن تعرف عنهما شيئا وتبحث عن إجابة؟
تكلم يا سيدي تكلم، أنر طريق غيرك، أو دعه ينر طريقك. تكلم ولا تخش، وإياك والقرابين، ما أسن إلا الماء الراكد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.