شعار قسم مدونات

هل الإسلاميون بحاجة إلى "نيوإسلامي"؟

هل الاسلاميون بحاجة الى [نيو-إسلامي]؟

لقد شكّل الانقلاب العسكري في مصر وفشل الثورات العربية باختلاف تجاربها، والصراع المحتدم مع الثورات المضادّة، تحولا فكريا وسلوكيا تجاه ممارسات الحركات الإسلامية التي حققت -في وقت سابق- نجاحات في عصر الصحوة الإسلامية بمساهماتها الكبيرة في إجلاء الاحتلال الغربي من البلاد العربية، ونشر الدعوة الإسلامية التي تميزت بالفكر والفقه والوعظ الديني.

وشكلت هذه الصدمات المتتالية في العقد الأخير من الزمن، رؤية مختلفة للواقع من قبل شباب هذا التيار الذي لم يعد مقتنعا بالكلاسيكية في الخطاب والممارسة، وانتقل خيال وتفكير الشباب من مدرسة الوعظ والنصح الى مدرسة التخطيط والإدارة في تسيير الشؤون العامة للحركات والأحزاب ومؤسسات الدولة، وهو تحول أملاه غياب البعد الثوري اليساري لدى أبناء وأنصار التيار الإسلامي الذي اتضح في الثورات العربية، مع بروز حركات شبابية وتجمعات (غير متحزبة) لها القدرة على التعبئة والنقد والتعاطي مع مختلف فئات المجتمع كالحالة المصرية والتونسية والمغربية.
 

والوضع الذي يعيشه التيار الإسلامي بمختلف روافده يحتم عليه إنشاء بدائل وطرق وأساليب انتقالية من ظروف وبيئة ومكاسب الصحوة إلى ممكنات النهضة، ويجب أن تتوفر لهذه الأخيرة مجموعة من العوامل التي توفر لها مؤشرات النجاح والتطبيق على المديين المتوسط والبعيد، ومع ذلك يلقى دعاة صناعة النهضة في البلاد العربية مقاومة عميقة ومتجذرة من تيارات داخل الفصيل الإسلامي الحركي الأقوى أصحاب المرجعية والعقيدة الإسلامية على منهاج النبوة والخلافة الراشدة ممثلة في قدماء "الإخوان المسلمين".
 

الشباب الذي لم يتلق تكوينا ذا مرجعية إسلامية بالمفهوم الحركي يجد نفسه أمام حاجز التعاطي السلوكي والمصلحي مع بقية أبناء المجتمع غير المؤدلج

ويعتقد هذا الفصيل الإسلامي الحركي أن اتصال الدين والدولة وارتباط بعضهما ببعض هو جوهر فكرة الإسلام السياسي الذي يعيد أمجاد الأمة، ومن خلالهما يمكن الوصول إلى إعادة تصورات ومشاهد الخلافة الإسلامية المنشودة، كما أن أي فصل هو عقيدة غربية أوروبية مسيحية تسير بالأمة نحو العلمانية المتوحشة.
 فما الذي يجعل التيار الإسلامي يعاني من تبعات الصحوة الإسلامية؟ وما هي مفاتيح التمكين التي يصبو إليها الجيل القيادي الحالي؟
 

وبالإشارة إلى الأحداث الجارية حاليًا في تركيا (يوليو/تموز 2016)، يعيش التيار الإسلامي في مختلف البلاد العربية، الحاكم منها والمحكوم، الحر والمسجون، الموالي والمعارض، انتعاشا واضحا من خلال ملامح السعادة التي ترجمت في منشورات التواصل الاجتماعي وتصريحات قادته وبيانات أحزابه، سعادة بالنجاح الأردوغاني في صناعة النموذج الإسلامي المعاصر أو ما أسميه في العنوان بـ"نيوإسلامي"، وكيف تمكن أردوغان من إدارة شؤون بلاد ذات أهواء غربية وشعارات علمانية، بخلفية إسلامية لا يخفيها خطاب قادة الساسة هناك!
 

إن التشيؤ داخل الحركة الإسلامية في البلاد العربية يخضع لمنطق النشأة في إطار أدبيات وقيم الجماعة الإسلامية، لا منظومة المجتمع المسلم التي تعتبر فضاء فسيحا للممارسة الاجتماعية، هذا المجتمع الذي يتفاعل مع وسائل الإعلام والترفيه بشكل كبير، أصبحت إحدى الظواهر والثغرات البارزة في الممارسة الحركية والحزبية بين المنتمين وغير ذلك، فالشباب الذي لم يتلق تكوينا ذا مرجعية إسلامية بالمفهوم الحركي يجد نفسه أمام حاجز التعاطي السلوكي والمصلحي مع بقية أبناء المجتمع غير المؤدلج والتي يبقى أمرها نسبيا من مجتمع لآخر.
 

وللتذكير، يقول أحد منظري الدعوة لدى الإخوان المسلمين "سعيد حوى" في مذكراته "إن العمل السياسي يتطلب البحث عن مصلحة الإنسان والعمل من أجلها، فإذا تخلف القائمون على أمر الدين عن التعرف على مشكلات الناس محاولين حلها وتقدم السياسيون لذلك تراجع الدين وتقدم العمل السياسي، فإذا كان العمل السياسي غير مرتبط بالدين أدى ذلك إلى نشوء صراع مستقبلي بين السياسة والدين، وهذا الذي حصل في سوريا". ونضيف له أن هذا الذي حصل في الحركات الإسلامية بشكل عام من خلال ممارساتها وتركيزها على العمل الدعوي والتربوي دون إعطاء البعد المصلحي السياسي حقه في التكوين والإعداد، رغم عدم إخفاء السعي لحكم البلاد وبناء حكومة إسلامية على مقاس الخلافة الدينية، لا حكومة الشأن العام للمسلمين وخدمة مصالحهم.
 

وباعتقادي أفإ الأزمة التي يعاني منها قادة التيار في كثير من البلاد المسلمة، هي رغبة زعماء الإصلاح والصحوة الإسلامية في تزعم عصر النهضة والتنافسية والتمكين لها بنفس الأدوات والظروف السابقة، معتبرين أن نجاحهم في نشر الدعوة الإسلامية لعقود هو سبيل للنجاح في صناعة نهضة إسلامية تمهد لاستعادة الخلافة الإسلامية بالنمط والتصور القائم على الخلفية الدينية المحضة.
 

شباب التيار الإسلامي في الوقت الحالي لم يعد يؤمن بعودة الخلافة الإسلامية بالنمط والتصور القديم للدولة الإسلامية

في حين أن شباب التيار الإسلامي في الوقت الحالي، ومع توفر تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة من تواصل واطلاع واسع بثقافات الشعوب وتجارب الحركات والأحزاب المشابهة داخل القطر العربي وخارجه، لم يعد يؤمن بعودة الخلافة الإسلامية بالنمط والتصور القديم للدولة الإسلامية. وأصبح التيار الإسلامي في شكله ونمطه الجديد يفكر أكثر في كيفية مواجهة الحداثة بأدواتها، وكيف يمكنه تجاوز عقبة "دال" الدعوة إلى "دال" الدولة، عبر مفاهيم الحوكمة والتنمية وقواعد التجارة والاقتصاد والخدمات العصرية، وحقوق الإنسان والتنافسية العالمية والوطنية والممارسة السياسية بقواعد اللعبة لا بقواعد فقه العبادات.

 
 نيوإسلاميين الجدد لهم تعلق شديد بالنجاح الماليزي والتركي في شؤون إدارة الدولة، الأجيال الجديدة لها رغبة في التخلي عن أدوات ووسائل القرن الماضي والتوجه نحو استغلال فضاءات أوسع وأرحب في إيصال أفكار الدعوة والتربية والفكر الإسلامي بشكل عام، عبر استعمال الفنون والإعلام والتمثيليات والهزل والإبداع في التقنية، هذه الأخيرة وفي وقت قريب كانت محرمة وتعني الميوعة والتخلي عن الأخلاق الفاضلة ونقص في الالتزام بأحكام الشرع!
 

وبالنظر لمكامن القصور والتخلف لدى أبناء التيار الإسلامي في الأوقات السابقة، تسعى مجموعة من الشباب عبر كافة أقطار البلاد العربية والإسلامية إلى الاعتماد على مشاريع التكوين والإعداد، من أجل سد ثغرات كبرى أنهكت التيار الإسلامي وجلبت له الويلات، والتركيز في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
 

●       التمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهي العلوم التي تعتبر جوهر العمل الفكري والسياسي والتنموي في عصر الصراعات والتمكين لحقبة النهضة المنشودة، فلم يعد هناك صراع هوية واضح بالنسبة للإسلاميين في البلاد العربية بعد إجلاء قوى الاحتلال الغربي والتمكن من تبسيط الدين الإسلامي في المجتمع، وهذا ما يحسب لتيارات الصحوة الإسلامية في القرن الماضي، والتحدي الآن أمام أبناء التيار الإسلامي في اتجاه التمكن من العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعني قيادة المجتمع نحو خدمة مصالح أفراده وتنمية بلده.
 

●       اللغات والثقافات والفنون، وهنا يلحظ المتابعون الفرق الجوهري والعميق في التيار الإسلامي بجناحه الذي درس في الغرب وتمكن من اللغات والثقافات الغربية وعاد إلى البلاد العربية الإسلامية للممارسة الحركية واستلهم الأفكار والمهارات من البيئة الغربية، مقارنة بالتيار الذي نشأ في بيئة تعليمية وتربوية واجتماعية عربية عانت من ويلات الصراعات والصدمات على مدى عقود من الزمن.
 

فمسألة اللغات والثقافات هامة في بلورة جيل إسلامي له علاقة متينة ووطيدة بالتحولات الثقافية والسوسيولوجية في العالم، وفي المجتمع المحلي القصير، وهو النقاش الدائر حاليا لدى شباب حركات المجتمعات المغاربية في التبعية الفكرية والسلوكية والفقهية للمشرق العربي، وبخاصة الأنماط السعودية أو التركية أو المصرية باستثناء العاطفة الجياشة تجاه فلسطين!
 

حركة الترجمة والتمكن من اللغات الحية لدى الإسلاميين ضعيفة مقارنة بما هو متوفر لدى بعض الجهات الأخرى

 وعند الحديث عن اللغة، نستحضر هنا كيف تحولت اللغات الأجنبية إلى وسيلة استحقار، وأداة للظلم الإداري والحكومي لدى فئات في المجتمع متمكنة ومتنفذة ضد تيارات إسلامية تعمقت واستحضرت اللغة العربية كوسيلة وحيدة لإعادة أمجاد الأمة، في حين صنعت النهضة الأوروبية عن طريق ترجمة علوم العرب والمسلمين إلى اللغات اللاتينية، وحتى علماء المسلمين في الدولة الأموية والعباسية قاموا بترجمة أدب الحضارة الشرقية لدى الصينيين والهنود وإمبراطورية فارس، بالإضافة إلى التراث الفكري والعلمي لليونانيين في ذلك الوقت، فحركة الترجمة والتمكن من اللغات الحية لدى الإسلاميين ضعيفة مقارنة بما هو متوفر لدى بعض الجهات الأخرى.
 

●       بلورة النموذج الناجح والقائم على التأثير المحلي لا الشمولي، فأصبح من الواضح الآن أن أغلب الحركات الإسلامية القطرية، بدأت تدع التنظيم الدولي الشمولي نحو تكتلات مشاريع ومؤسسات متخصصة، كما تحول تركيزها من الاهتمام العام إلى محاولة صناعة نموذج محلي ناجح وهو ما يحدث الآن في تركيا والمغرب وتونس والجزائر بشكل أعمق وأكثر تفصيلية، ولعل هذا الاهتمام والتركيز هو محاولة للاهتمام بالمحلية والقطرية في بلورة مشاريع عمل متخصصة ذات مصداقية وأقرب إلى الواقع ومنه الشمولي، وهذا ما كتب عنه الباحث في العلوم السياسية محمد بن المختار الشنقيطي في أكثر من مقالة عن الإخوان المسلمين.
 

فالحديث عن صناعة النموذج الناجح وتعميمه بإسقاطات اجتماعية وخصوصية ثقافية هو السبيل للتمكن على المستوى السياسي والفكري للحركات الإسلامية، فالمعروف على أدبيات الجماعات الإسلامية بمختلف الأقطار، انغماسها وتقوقعها في الثقافة المصرية أو التركية أو السعودية بشكل جعلها تفقد العامل المحلي والخصوصية السوسيوثقافية مع المجتمع الذي تعيش فيه وتخطط لإدارته وقيادته في العمل السياسي.

هذه مجموعة من الأفكار التي بدأ الجيل الجديد من شباب التيار الإسلامي يفكر فيها بجدية، ولعل تواجد آلاف الشباب من المنطقة العربية في الدول الغربية كلاجئي حروب واضطهاد مثلما حدث ويحدث بمصر وسوريا والعراق واليمن في تركيا وأوروبا، لهي محنة تتحول إلى منحة، يمكن الاستفادة منها ونقل تقنيتها وأدواتها إلى التيار الإسلامي تحت شعار "تجدد قبل أن تتبدد".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.