شعار قسم مدونات

أي المصرين مصر؟

blogs- مصر

الإعلام سواء كان مكتوبا أو مرئيا أو مسموعا. هو واجهة تعرض مختلف زوايا النظر في دولة يتصدر فيها كسلطة رابعة تمثل أداة رقابة على السلط الثلاث، هذا ما تضمنه النظم الديمقراطية كسبل لخلق المصارحة والشفافية مع شعوبها ذات الوعي بهذه الضرورة.

مجتمعات القرن الواحد والعشرين هي مجتمعات ناقدة متحركة وطموحة، حيث باتت الشوارع مكتظة بالصحف بالنقاشات بالمظاهرات والوقفات والاعتصامات ولم تعد كما كانت طرق سير وعرض للمنتجات التجارية فقط.
 

ولذلك فقد تعزز دور السلطة الرابعة حتى باتت المحرك الأساس للسلطات الأخرى، بتنا نشاهد برامج ونسمع حوارات ونقرأ مقالات تتناول مشاريع القوانين بالشرح والنقد، تعرض تقارير عن سير عمل الحكومات ومجالس النواب وتضعها محل تقييم ومساءلة، تضع على دفتي طاولة أطراف سياسية متعددة مختلفة المشارب والأهداف والبرامج والخلفيات لتبسط في طيات محادثاتها الصورة واضحة أمام المشاهد الذي هو ناخب الغد.
 

رغم كل الأزمات  لازال الإعلاميون يسوقون لصاحب الثلاجة الفارغة، ويمجدون كلماته وابتساماته وخطواته وحتى الهواء الذي يتنفسه.

هذا هو أكبر مكسب قدمته ثورات الربيع العربي لمجتمعاتها الراغبة في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والتنموية كغيرها من شعوب العالم المتقدم. ولعل المتابع الفطن للتلفزيونات والإذاعات والصحف الورقية منها والإلكترونية سوف يتحسس مدى اتساع الأفق في الطرح والتجرؤ على ولوج ميادين ومواضيع كانت في عصور الاستبداد محظورات، وربما يعكس الإعلام التونسي رغم الهنات العديدة والتعاملات السطحية بعضا من هذه الزاوية المنيرة التي نطمح أن تزداد تطورا ورقيا.
 

لكن في المقابل يجد المرء نفسه مشتتا أمام ما تعرضه بعض "التلفازات" العربية وتحديدا المصرية محل تركيزنا في هذا المقال. حيث لم تبقى خسائر ثورة 25 يناير ذات الآمال الكثيرة متوقفة على انقلاب 30 يونيو ولا على المحاكمات الصورية لرموز الفساد والإفساد، ولا على عودة القمع والاعتقالات والضرب بيد من حديد لقطع دابر الحق والنفس الطامح للتغيير والانعتاق من بوتقة الاستبداد، بل شملت كذلك معظم الفضائيات والصحف المصرية التي يتابعها المرء لا يستطلع مستجدات الملف المصري بل ليتقصى سمفونية الخط التحريري الواحد لعشرات القنوات.
 

فأي المصرين هي مصر الحقيقية؟
أهي مصر التي نحظى بها في بعض المنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تنتفض غضبا من شدة تضييق خناقها وعودها على بدء في مسار الرفض والانتفاض.

تراها في تلك الشوارع المكتظة بالهتافات، تلك اللهفة للحاق وراء لقمة العيش البائس أمام أسعار متسابقة إلى الأعلى فالأعلى، تلك العشوائيات التي زادت عشوائية على ماهي عليه، تلك النظرة المنكسرة للأم التي لا تجد ما تعده قوتا لعائلتها المنتظرة..
 

أم هي مصر التي تنقلها لنا الفضائيات المتبجحة بعبارات المدح والتقديس بل أحيانا التأليه لنظام العسكر الجاحد. تلك البرامج المتعددة كـ "على مسؤوليتي"، "كل يوم"، "هنا العاصمة"، "ممكن"، "الملف".. حيث يحل علينا الإعلاميون كخيري رمضان، لميس الحديدي، عمرو أديب، تامر أمين، مصطفى بكري، أحمد موسى، عزمي مجاهد، وائل الإبراشي، محمود سعد وغيرهم الكثير لكن وإن تعددت الأسماء فالمعنى واحد والخط موحد بل أحيان الجمل متماثلة. وظفت في إطارها الوجوه الفنية والثقافية والخبراء لتبييض ما يمكن تبييضه. هو شعار استثمار المشاهير لمغالطة الجماهير.
 

لماذا يتم الدوس على أحلام المساكين؟ وتنتهك مصداقية الرسالة الصحفية الصادقة؟ وتروج الأكاذيب مقابل المبالغ "الحقيرة"؟

يعرض علينا هذا النوع من الإعلاميين المغالطات صباحا مساء وقبل الصباح وبعد المساء يضحكون بها على معاناة الشعب المصري البسيط يمجدون فيها صانع الانقلاب ويزورون بها الحقائق عن الرأي العام العربي والعالمي المتابع للشأن هنالك. وليس الأمر مقتصرا على التلفزيون فتواظب على تزويقه الجرائد والصحف ك: الأهرام، الوطن، المصري اليوم.. حيث تعكس سياسة إعلامية متكاملة الأبعاد.
 

تشهد مصر أزمة انهيار الجنيه مقابل الدولار، أزمة ارتفاع أسعار المحروقات المواد الأولية كالسكر والعيش والأرز وغيرها، هذا إن وجدت، أزمة علاقات خارجية مع دول المنطقة الشرق أوسطية والعالم، أزمة مظاهرات الرفض والغضب التي مآلها السجن والتخوين، أزمة قضاء لا نزيه ولا محايد ولا شريف، أزمة إعلام كاذب ومزور للحقيقة.. هي أزمة سقوط على كل المستويات.

ورغم كل ذلك لازال الإعلاميون يسوقون لصاحب الثلاجة الفارغة، ويمجدون كلماته وابتساماته وخطواته وحتى الهواء الذي يتنفسه. لازال الإعلام المصري يوافينا بإعلانات المجمعات السكنية الكبرى والأحياء الراقية والمنازل الفاخرة التي لا صحة تذكر لأغلبها هي فقط رسائل سياسية مبطنة تروج لنظام يسعى لعكس صورة على أنه نظام استثمار وتنمية ومشاريع.
 

لماذا يتم الدوس على أحلام المساكين؟ وتنتهك مصداقية الرسالة الصحفية الصادقة؟ وتروج الأكاذيب مقابل المبالغ "الحقيرة"؟ تتلفظ مصر أنفاسها وهي في حالة انفصام بين واقع معاش وروايات ماسبيرو المعدة للنشر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.