شعار قسم مدونات

في كُلِّ الوجوه أنا

blogs - people

حين أنظر في المرآة كل يوم فإني أرى وجهي الذي اعتدنا -أنا والناس- أن يكون صورتي، شكلي الذي يميزني ويعرفني الناس به. لكن في داخلي من أكون؟ 

أنا كل الوجوه التي قابلتها، سيئة كانت أم حسنة، قبيحة أم جميلة في غاية الحسن والبهاء، طيبة أم خبيثة، ولست أتحدث عن الوجوه كشكل بل كجوهر وما الخارج إلا انعكاس للداخل. كل من قابلتهم كونوني وعلموني أشياء كثيرة وبناء عليها صقلت شخصيتي وتكونت أفكاري عن الأشخاص والأشياء والمادة والمعنى. 


علمت أن الحماس الشديد ليس شيئا جيدا، إذ أنه يقتل الشغف شيئا فشيئا، وتأكدت أن الصمت دواء القلوب، وأن الضجيج والثرثرة لم تجلب لهذا العالم سوى المشاكل والكوارث!

ذاك الذي قلل من قيمة عمل أداه زميله بشغف، فوجه له كلاما جرحه، علمني ضرورة أن أكون لبقة وكيف أنتقد باحترام ولا أهين أحدا. تلك التي لم تقدر هدية زوجها وهزأت ما جلب لها أمام زميلاتها علمتني أنه من السيء أن تكون جشعا ولا تقدر الحب والاحترام.

تلك التي تتحدث عن أنها محور الكون ولا تفتأ تحدث زميلاتها عن إبداعها، علمتني أن الغرور شيء مقيت ومذموم وأن أترك أعمالي تتحدث عني، أما الأم التي شجعت ابنها على شتم عمته وخالته لأنه كبر وأصبح يتكلم، وقابلتاه ثلاثتهما بالضحك والمدح، علمنني أن الأخطاء تبدأ من نقطة ثم تتراكم حولها النقاط فتصبح الأخطاء هالة الشخص وتعريفه، تلك التي سمعتها تدفع بزميلتها نحو الخطأ وتشجعها بعد الخروج من علاقة حب على الدخول بأخرى وأن لا تأبه لمن تركها ورحل، علمتني أن الطرق الخاطئة موحشة ومكلفة وخصوصا حين نسلكها بإصرار، وعلمتني أن أختار أصدقائي بعناية مطلقة، فالمرء على دين خليله. 

في كل عام نلبس مبادئ جديدة ونخلع أخرى، أو قد نتشبث بمبادئ كانت لدينا، وما أعوامنا إلا حوادث تصادفنا وأشخاص نلتقيهم. لم يغادرني هذا العام دون أن يعلمني أن الأصدقاء ليسوا أولئك الذين يضحكون معك ويحبون مزاحك؛ بل هم رفقة الشدة التي تجدها في وقت الضيق والأسى، يشعرون بحزنك ويعرفون ممر السعادة إلى قلبك فينتزعون منه شوك الكآبة، وما دون ذلك تكون صداقتهم مؤقتة وعابرة.

وقد تنقضي حياتي قبل أن أشهد هذه الصحبة وأرافقها. ومن دروس الصداقة أيضا، ألا أصادق الأشخاص غير المباليين غير الآبهين بشيء في هذه الحياة ولا يقدرون اهتمامي ببعض الأمور وسعيي نحوها ولا يشجعوني على اتباع شغفي، فصديق لا يبالي لا يصلح أن يكون صديقا. وعلمتني هذه السنة، أن الناس يحبونك ضحاكا بساما في وقت فرحتهم، وحين شدتك يريدون منك أن تكون المواسي المعاون لهم، أما في فرحك وحزنك فاحتفظ بمشاعرك لنفسك ولا تشركنا بها! 
 

تعلمت ألا أحكم على الأشخاص بأنهم طيبون لمجرد فكر يجهرون به في أقوالهم، فالسلوك هو الحد الفاصل، فأنت تعرف الشخص من تعامله، فلا قيمة للفكر إن لم يظهر رقيه في السلوك. وتعلمت أن الحكم يكون بموقف، فإما أن تحب شخصا من موقف واحد أو تكرهه، وكم من الحب والتقدير كان بسبب نظرة أو ابتسامة أو موقف شهم؟! وكم من فراق وكره كان بسبب لا مبالاة وعدم اهتمام في موقف كانت المبالاة والاهتمام يجب أن تكون أساسه. 

أيقنت أن هذه الحياة قد تأتي بظروف متناقضة في أوقات لا تحتمل التناقض، فتتركك في حيرة وقلق متلازمين، شعرت كم هي حياتنا قاتمة وبائسة دون سلامة من نحب وكيف تنقلب علينا جهنما وسعيرا دون أحبتنا، فما تعريف المرء وإثباته إلا محبوه. عاينت عن كثب كيف حين نحيا لقيم عليا فإن اهتماماتنا ستتغير وأن الحياة ستهيء لنا خير الرفاق في المنهج والفكر والسلوك. 

وعلمت أن الحماس الشديد ليس شيئا جيدا، إذ أنه يقتل الشغف شيئا فشيئا، وتأكدت أن الصمت دواء القلوب، وأن الضجيج والثرثرة لم تجلب لهذا العالم سوى المشاكل والكوارث! 

كل شخص وكل حادثة مرت في حياتك، رافقتك طويلا أم لمدة قصيرة. ستترك في حياتك بعدا ستدركه وتراه يوما ما، وستكون أنت تلخيصا لكل شخص قابلته.

قابلت أشخاصا رأيت فيهم صفة الحلم والهدوء، وكيف يتعاملون مع الأمور بسكينة تامة، لم أستطع الاقتداء بهم في هذه الصفة، لكني عاينت جمالها فيهم وسأسعى إلى إكتسابها، فيا لها من صفة رائعة!

وعلى النقيض، رأيت أشخاصا يلفهم الغباء ورأيت الكثير من الأمور الغبية والساذجة، وقررت أن أتقبل وجود هذا الشيء في هذه المجرة، فهو صفة ملازمة للبشرية ومن يحاول محاربتها سيتعب كثيرا دون فائدة. أما كل مشاكل البشرية وسبب تناحرهم هو سعي كل منا إلى إثبات تفرده بالعلم والحقيقة والصواب وأن البقية دائما مخطئون. 

في هذا العام تعلمت دروسا ستكون نتيجتها في شخصيتي للعام الجديد … وإنه ليصعب على المرء تجاهل الدروس التي يأخذها من أيامه في هذه الدنيا وأن يقصي تأثيرها عن حياته، فتأثير الأيام فينا حتمي وأكيد؛ حتى وإن لم ندركه.
 

كل شخص وكل حادثة مرت في حياتك، رافقتك طويلا أم لمدة قصيرة. ستترك في حياتك بعدا ستدركه وتراه يوما ما، وستكون أنت تلخيصا لكل شخص قابلته، إما بابتعادك عن صفة كرهتها في الآخرين، أو باتباعك موقفا حسنا أعجبك في ناس قابلتهم أو درس علمك إياه أحدهم، سواء كان درسا سلبيا أم إيجابيا، فحياتنا عبارة عن عجل من تأثر وتأثير دورانه مستمر ودائم لا يمكن لأحد أن ينكر هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.