شعار قسم مدونات

سو تشي تتفرج على مأساة الروهينغيين

Muslims protest against what they say is Myanmar's crackdown on ethnic Rohingya Muslims, outside the Myanmar embassy in Bangkok, Thailand November 25, 2016. REUTERS/Jorge Silva

استطرادًا على شُح المعلومات المتواترة من "أراكان" المكلومة بفعل قبضة حكومة ميانمار والمحكمة التي تمنع على وسائل الإعلام التواجد في مناطق المسلمين المضطهدين، وفي ظل هذا التعتيم المقصود يتزايد القلق أكثر من ذي قبل على حال الإنسان هناك، وقسوة الحياة التي يعيشها وسط ثلة من آكلة لحوم البشر في ميانمار.

تخلت سوتشي بعد فوزها عن حماية المسلمين، وكانت تميل كثيرا إلى جانب تحقيق رغبات رهبانية بوذا بالابتعاد عن مناطق الروهينغيين

فالأقلية المسلمة من الروهينغا تسام في هذه الأوقات أقسى أصناف العذاب، بعدما خذلتها الحداثة المعاصرة، وأنظمتها الإنسانية لتصبح بين كماشة حقد ديني متجذر، ومخلب بوذي في الحشا، في مشهد يستمر فيه التطهير العرقي و النزوح القهري من الوطن منذ نصف قرن، ورغم أن الروهينغيين يغلب على أجسادهم الوهن، وقلة الحيلة فإنهم يتجرعون في صمت وجع الجروح، و ينزفون دما فوق أرض منسيه يذبح عليها الضحية بوحشية، ويأكل لحم الطفل المسلم ميتا في طقوس بوذية أمر بها الرهبان أتباعهم.

واستطرادًا أيضا على القصص المأساوية، والصور المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأ من خلالها كثير من المسلمين حول العالم التعرف أكثر على مآسي أخوانهم في بورما، رغم قسوة الصور البشعة التي تدمي القلوب، فإن العالم المتقدم لا يزال يتراخى في هذا العصر أمام جرائم البوذيين، والإبادة العرقية التي يتعرض لها مسلمي ميانمار.

العالم يغمض عين و يفتح الأخرى ليرى بها ثورة الرهبان البوذيين ضد حكم العسكر فيهرع للتنديد، والشجب ثم يتبعها بفرض العقوبات الاقتصادية التي ساعدت في إسقاط حكم العسكر، في الوقت الذي يروج فيه بأسلوب ممنهج عن الإسلامفوبيا في العالم ما انعكس ذلك سلبا على قضية الروهينغيين بالعيش في وطنهم آمنين، وكف اليد البوذية عن ممارسة المزيد من الأجرام تجاه كل ما هو مسلم هناك.

ولعل الحدث المهم في ملف أزمة الروهينغيا خلال هذه الأيام هو صوت رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبدالرزاق الذي كان حاد اللهجة، مستصرخا الأمة الإسلامية و المجتمع الدولي الوقوف صفا واحدا وبقوة في وجه مجرمي ميانمار، وإنقاذ الأقلية المسلمة هناك من جرائم الإبادة، موجها سؤاله لرئيسة حكومة ميانمار الحالية أونغ سان سو تشي عن فائدة جائزة نوبل للسلام التي تحملها، وهي لا تقف  في بلدهت موقف إنساني تجاه الضعفاء والمضطهدين من المسلمين، ولا تبادر بجدية إلى التدخل ومنع الإبادة الجماعية ضد أقلية الروهينغا المسلمة..

معاناة الروهينغيين
يتعرض المسلمون في  إقليم أراكان للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن مثلما حصل عقب الانقلاب العسكري الفاشي، حيث طرد أكثر من 300.000 مسلم إلى بنغلاديش. وفي عام 1978طرد أكثر من 500.000 أي نصف مليون مسلم، الآن يعيشون في أوضاع قاسية جداً، مات منهم قرابة 40.000 من الشيوخ والنساء والأطفال حسب إحصائية وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبالطبع فحياتهم محاطة بالمشكلات مع البنغاليين الفقراء وسط موارد محدودة، وفقر بلا حدود، وكل هذا لا يعلم عنه المسلمون في العالم شيئا، وإن علموا وقفوا مكتوفي الأيدي..

وفي عام 1988 تم طرد أكثر من 150.000 مسلم بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي، وأيضا في عام 1991 تم طرد قرابة 500.000 أي نصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين، لأنهم صوتوا مع عامة أهل البلاد لصالح الحزب الوطني الديمقراطي NLD المعارض.

ومن الإجراءات القاسية للنظام القائم كذلك إلغاء حقّ المواطنة للمسلمين، حيث تم استبدال بطاقتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد وهو المطلوب أصلاً، وأعلنت "الأمم المتحدة" الأسبوع الماضي أن 10 آلاف من الروهينغا عبروا من بورما إلى بنغلاديش في الأسابيع الماضية هربا من أعمال العنف في مناطقهم..

كل ذلك يحدث، و صوت الضمير العالمي يكاد يكون غائبا عن المشهد بتاتا، ويبتعد كثيرا كلما ارتفع نداء السلام وحقوق الإنسان، رغم أن هذا الصوت قريب جدا من سمع وبصر سفيرة السلام، و الحائزة على جائزة الضمير المرموقة اون سان سو تشي.

وهي المرأة التي يحتفي بها الغرب كوجه ديمقراطي، يتحدث عنها في كل محفل عالمي، ومناسبة حقوقية عن نضالها من اجل الديمقراطية، و حرية الإنسان في بلادها بورما، حتى أوصلها حصاد الجوائز العديدة من مؤسسات الضمائر الحية إلى مكانة مرموقة دوليا، وحصانه أممية لإكمال مسيرتها السياسية داخل وطنها، ولتكون معارضة شرسة للنظام العسكري الذي حكم البلاد بالحديد و النار على مدى 45 عاما..

جاء تولى سو تشي  وحزبها "من أجل الديمقراطية" حكم البلاد منذ ستة أشهر بعد صراع  شاق و طويل مع الديكتاتورية العسكرية، احتفى بها شعبها كونها ابنة الجنرال سان سوكي الذي فاوض الاستعمار البريطاني على الاستقلال وهو يعتبر الأب المؤسس لبورما، وقد اغتيل من قبل أعدائه عندما كانت سو تشي تبلغ عامين فقط..

سان سو تشي، تنكرت للمسلمين وتجاهلت كل قيم حقوق الإنسان واستسلمت لرغبات الرهابان البوذيين

في الوقت الحاضر هي الزعيمة القومية أو "أم ميانمار" كما يحلو لها أن تسمعه من البوذيين دون غيرهم، لأنها مثل غيرها تحمل بين أضلاعها قلب صغير بصبغة بوذية قاسية رغم تذوقها من قبل ألوان الخوف، والحرمان في وطنها على مدى عشرين عاما مضت قضتها بين جدران منزل الإقامة الجبرية بعيدا عن زوجها و أبناءها، سجينة أفكارها و أحلامها في وطن رقعته على الأرض تكاد تكون مجهولة المكان و التاريخ، و يعيش فيه أقلية مسلمة مضطهدة تحت ظلال الديمقراطية والحرية، التي أوصلت سو تشي إلى سدة الحكم .

تعمدت سوتشي أثناء مسيرتها الانتخابية أن تبدو أكثر حرصا على تحقيق مطالب شعبها، وأن تلتزم بمبادئ الحرية و الديمقراطية العالمية، لكنها بعد الفوز تخلت عن حماية المسلمين، وكانت تميل كثيرا إلى جانب تحقيق رغبات رهبانية بوذا بالابتعاد عن مناطق الروهينغيين، و ترك جنرالات الجيش يتولون إدارتها بالقمع و التنكيل، و لم تتحدث عن مساعدة الأقلية المسلمة إلا في تصريح واحد ذكرت فيه أنهم ليسوا أولوية على جدول أعمال حكومتها، وهذا التصريح يعاكس تماماً الوعود الانتخابية التي كانت تصب في الشعار الذي رفعته سو تشي "جميع المواطنين البورمايين سوف يكونوا محميين، بمجرد تشكيل الحكومة في 2016

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.