شعار قسم مدونات

فلسطين.. ولسنا منها

blogs - palestine

لم أشعر يوماً واحداً أنني من فلسطين التي أريد، والعاطفة غالباً ما تأفل فور خروجي من آخر أمتار مدينة أريحا قاصداً جسر الملك حسين، والحقيقة أنني أسأل نفسي في كل سنةٍ أزور بها فلسطين، هل وجود المسجد الأقصى وقبة الصخرة سببان كافيان كي ننتمي إلى فلسطين، وهل حقاً تحتل قضية المسجد الأقصى مكاناً في فكرنا وجوارحنا نحن أهل الشتات؟. وعلى الأقل حصلت على إجابةٍ لم أرَ غيرها حتى اللحظة، وهي بأن أهل الشتات أقرب من القضية الفلسطينية عمّن داخلها وإن كانوا أبعد بكثير عن جغرافيةِ فلسطين التاريخية.
 

لم يعد لك امتياز في الأوطان العربية لكونك فلسطيني الأصل كما كان لديك سابقاً، العاطفة تجاه فلسطين تقل شيئاً فشيئاً فشخصياً لا أشعر بامتيازات فلسطينيتي، فلا أملك ربع حريتي للتعبير داخلها، ولا أملك حق دخول أكثر من نصف أراضيها إلا بتنسيق وموافقة، ويا سبحان الله فالشعوب تملك قرارها بيدها، فمن اختار الهوان وتساهل بحقوقه ضاعت وتجرد منها، ومن استأنس الحرية وكافح لأجلها ولم ينم على ضيمِه عاش بطلاً سيد نفسه، وللأسف تتحول القضية الفلسطينية تبعاً لنسيان الهوية، شيئاً فشيئاً إلى مهرجان كبير جداً، يضم الحفلات والمسارح الوطنية في الضفة وغزة، معظمها لا يتقاطع محتواها مع رسالة التحرير والصحوة التي يجب، وبالضرورة لا تتقاطع مع الوطنية شاء من شاء وأبى من أبى..
 

إن كان تسويق القضية الفلسطينية سيكون عن طريق المهرجانات والمعارض التراثية، فإلى متى سيكون ذلك؟

في رام الله تجد المعاهد الثقافية وصفوف تعليم المسرح والفنون أكثر من الدكاكين "سوبرماركت"، مع ذلك لا يزداد في شوارعها سوى التعري والابتذال والتحدث باللغة الإنجليزية نظراً لازدياد الأجانب فيها. وكأن رام الله أرض عالمية لا تنتمي إلى فلسطين، يزرع بها من يشاء ويحصد بها من يشاء. وتتجاوز ملكية فلان وعلان بها حقّه التعليمي في تلك الفنون والصفوف.

في جنين ونابلس وبيت لحم تكثر النزاعات على أزكى مطعم وعلى أطول سندويش "مرتديلا ولبنة" وتزداد جولات الموسيقار الفلاني والكوميدي العلاني والشعب يدفع بسخاء، أما أغلب التوجه لمعظم الناس هناك فهي الأزياء ووضع الوشوم على الأجساد والسفر والنزاعات على بقاء دور السينما من عدمها. وتعتبر هذه الموجه أقرب ما تكون إلى الابتذال وأبعد ما تكون عن خدمة القضية.
 

لم تعش المسارح والمعارض الوطنية عمراً على أنها لبنة الأساس للتمكين والتحرير، وعليه يجب أن لا نسمح لتلك الإرهاصات الناعمة بالذات في فلسطين أن تكون ركن أساس للتقدم، ولا مانع من أن تكون جزءاً منه، والسبب هو أننا سنفشل ببساطة، كما تفشل المؤتمرات والبرلمانات، وكما تفشل الانتخابات الوطنية والتشريعية في كل مرة، أما سبب فشلها يختبئ خلف سلمية سماتها في التعامل مع الصهاينة المحتلين، فمع عقلية هذا المحتل، نحتاج لنتبعه على الأنهار وعلى طفوف الآجام وفي الفجاج.
 

ثم إن كان تسويق القضية الفلسطينية سيكون عن طريق المهرجانات والمعارض التراثية، فإلى متى سيكون ذلك؟ وإن افترضنا أن تلك المهرجانات سوف ترمم مئة عام للتواجد العربي في فلسطين، ففي هذا الوقت هاهم اليهود يحيون حلم آلاف الأعوام في قيام مشروع دولتهم التي يريدون. كم من الأعوام سنختبئ خلف دفئ المهرجانات السلمية التي لا تحرك في موجة الغضب ولا تحرر لنا قدماً من أراضينا المأخوذة، فنحن الشعب المحتل ونحن من يحق له اختيار طريقة المقاومة التي نريدها. وإن كان دعاة التوجه السلمي في فلسطين يستشهدون بنجاح رحمة "غاندي" في الهند فإني أزف لهم "عصا" مانديلا في جنوب إفريقيا والتي نجحت بالمثل..
 

يا رب نريد منك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا.. وأن تذوب همومنا وأحزاننا الصغيرة في بوتقة الهم والحزن الأكبر، كي نقدم تلك الأرواح والأجساد لفلسطين.

إن جيوش الإنقاذ التي تم تشكيلها لم تأتِ لنا بفائدة واحدة، بل على الأٌقل لم يشفع لفلسطين الاتحاد العربي حينها بشيء، وبالمثل لم نشاهد شيء من خطط الطوارئ ولا من الاجتماعات السرية ما يخدم القضية الفلسطينية، ولا من مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ولا من القمم العربية، ها نحن نقف على المؤتمر رقم فلان للحزب الفلاني والبيان رقم فلان للحركة الفلانية، ولا شيء يتغير سوى أن تل أبيب تنعم بأمان ودفء العالم.
 

عزاؤنا فقط بشهدائنا الأبرار، التي أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بعرش الرحمن تسرح بالجنة حيث شاءت، عزاؤنا بأسرانا وأسيراتنا البواسل، عزاؤنا بجيل الصحوة الذي لم يأتِ بعد، جيلُ يصنع لنا ابن زبير، سيدة كهاجر، كنور الدين زنكي، كعمر المختار، كخطّاب، كمحمد الفاتح، كسيف الدين قطز، كعز الدين القسام، كالحاج مالك شباز، وصلاح دين جديد يقول لنا : والله إني لأستحي من الله أن أضحك والمسجد الأقصى مازال محتلاً.
 

فيا رب نريد منك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا.. وأن تذوب همومنا وأحزاننا الصغيرة في بوتقة الهم والحزن الأكبر، كي نقدم تلك الأرواح والأجساد لهذا الوطن، أما أنتم أيها الصهاينة، فيوم بيومِ الانتفاضات، يوم بيوم صمود مخيم جنين، يوم بيوم انتصارات المقاومة في غزة، يوم بيوم عملية ميونخ، يوم بيوم عمليات عياش والبرغوثي، ويوم بيوم أسر شاليط، ويوم بيوم زعزعة وزلزلةِ أمنكم، يوم لنا ويوم علينا، يوم نُساءُ ويوم نُسَر، حنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، وفلان بفلان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.