شعار قسم مدونات

حلب والموت المحيط من كل جانب

blogs - halab
كل دقيقة تمضي في حلب يُقابلها ستون شهيداً  و ربَّما أكثر. تُرى هل باتَتْ دقائِقُ السوريين تُحسبُ بعددِ شُهدائِها؟! كل دقيقةٍ في وطني تساوي سِتينَ شهيداً لا ثانية! نعم هذا ما يحصل في حلب ياسادة.. باتت دقائق السوريين تحسب بعدد شهدائها.

هي مدينة على ضفاف الدم..  وأنا واحد من أبناء تلك المدينة المنكوبة والتي عشت لحظات مآسيها والظلم الجاثم فوق صدور أبنائها لحظة بلحظة. إلى أن خرجت منها وهي أحب البلاد إليّ، خرجت مدعياً الهجرة هروباً من عذاب الضمير، أو فاراً من الزحف كما يجب  للتسمية أن تكون!

منذ أن بزغ فجر الحرية في حلب صب عليها العذاب صباً على مرأى من العالم وصمت منه من القذائف الحارقة إلى البراميل المتفجرة مروراً برصاصات القناص الخارقة والتي كادت إحداها أن تخرق رأسي ذات مرة. نعم عشت تلك اللحظات متقلباً بين الخوف تارة والألم تارة وعذاب الضمير تارة أخرى.

قسمت حلب إلى قسمين حلب الشرقية والخاضعة لقوى المعارضة وحلب الغربية المحتلة من قبل النظام وأعوانه، وكان الرابط بينهما معبر يسمى معبر كراج الحجز الأقرب في الشكل والمسمى لمعبر رفح.  أو معبر الموت كما يسميه الحلبيين.

حلب اليوم تشهد أشد الصور ألماً في تاريخ المِحنة السورية، أمة المليار هذه الأيام تعلوها عمائم ملوثة، ونفوس ضعيفة، وحكام خونة!

نعم هي حلب صاحبة الأبواب التسعة المعروفة لدى الحلبيين تضيق أبوابها لتنحصر في باب واحد باب نحو الموت أو معبر كما شاعت تسميته! كان يشهد هذا المعبر حالات الموت المختلفة للمدنيين الماريين إلى الجزء الآخر من مدينتهم.

حلب كل يوم كانت تبكي أبنائها وتبقى صامدة.. أذكر ذات مرة كان بجواري رجلاً في الستين من عمره وربما أكثر.. بدأ يشاطرني الحديث ونحن نسير نحو احتمال الموت فيه أكبر من الحياة!

بدأ حديثه باللهجة المحببة إلي قال لي:
-بتعرف يا ابن أخوي أهل أول ما تركوا شي إلا وقالوه!
-سألته ماذا قالوا قال لي:قال أهل أول: لقمة مغمسة بالدم! وهي نحنا شايليين روحنا على كفنا من أجل لقمة ولادنا!

هكذا كانت الحياة في حلب ولهذا نبض الحياة لم ينقطع في حلب أبداً..لأن هناك نفوس تستحق الحياة، هي حلب إذا  المدينة الأقدم في التاريخ والمأهولة على مَرِّ السنين. ربَّما هي الآن تتجرع مُرَّ السنين وعلقم الأيام..هي المدينة التي لا تنام هكذا كانت تُلقَّب وكانَ لها مِن ذاك اللَّقب نصيب.. أصوات انفجارات تعلو وقذائِفَ تهوي وبشريَّةٌ لا تنام، أزقةٌ خاليةٌ مِن الحياة مليئة بالموت وبحر مِن البَشريَّةِ إلى اللجوءِ يتَّجِه.. وقبلهُ بحرٌ مِن الدِّماءِ سَال وما زال…

مدينة يَتنَقلُ فيها الموت كضيفٍ أصبحَ مِن أهلِ البيت يُعانِقُ كلَّ النُفوس، و يأخذُ مِنها ما يشتهي دونَ خجلٍ، أو حياء!

أعدكم بأن حلب لن تنسى من خذلها ولن تنسى من صمت عن ذاك الخذلان. في نكبة حلب تستطيع أن تشاهد عهر العالم السياسي كما تستطيع أن تشاهد عجز اللغة والقلم عن وصف الأحداث التي تجري في حلب وعن المحرقة التي تحدث هناك.. في حلب تستطيع أن ترى الناس سُكارى وماهم بسكارى!

منذ عشر سنوات مضت كانت عاصمة الثقافة الإسلامية.  ترى هي اليوم عاصمة لأي ثقافة تكون؟ طبعا إذا تجاهلنا أولئك القتلة الذين جعلوا منها عاصمة للسينما السورية!

 حلب اليوم تشهد أشد الصور ألماً في تاريخ المِحنة السورية، أمة المليار هذه الأيام تعلوها عمائم ملوثة، ونفوس ضعيفة، وحكام خونة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.