شعار قسم مدونات

استحداث أندلس جديدة

blogs - revolution South Korean
في مكان منزو بالطابق العلوي بمطعم "لا بافارواز la bavaroise"، بالدار البيضاء، اتخذ جمع من قدماء المناضلين والمثقفين مجلسهم يتناولون العشاء ويتطارحون الرؤى ويتبادلون الذكريات.. منهم من يأخذ الكلمة ومنهم من ينصت ومنهم من يعقب..

تدخل الشيخ الثمانيني الشيوعي القديم، واستطرد في القول: لا أود ألا يبقى من حديثنا سوى الذكريات. الذكريات كالكروم، إن لم تختمر في قالب الفكر تسنهت وأضحت بلا فائدة… عقب الصحافي، ثم سألت السيدة: ألا يمكن أن نبني أندلس جديدة ها هنا، أندلس التعايش والتسامح والتلاقح مثل جلستنا هذه، كيان يغتني من روافد عدة ويصهرهم في غاية موحدة وقيم مشتركة.

هكذا يحكي المفكر حسن أوريد في روايته سنترا، ما دار بين هؤلاء في مقهى أو بالأحرى كابريه سنترا بالدار البيضاء، وما يدور بداخليه من أحداث إبان الاستعمار الفرنسي، وما أصاب عمر بنمصور جراء ارتياده ومداومته على الذهاب إلى سنترا، وما يعتمل داخل هذا الكباريه من تناقضات وأحداث..

أينع الربيع العربي، وأينعت معه أحلامنا، حرية واعترافا، وعدالة اجتماعية ومواطنة كاملة.. لكن سرعان ما تحول إلى خريف تتساقط أوراقه، وتذبل بذوره.

الحنين أدعى إلى استحداث أندلس جديدة، أندلس تتسع للجميع، وتحتضن جميع الفئات والقوميات والأديان، والثقافات والروافد… في غمرة ما يعتمل عصرنا اليوم، من دمار وتقتيل وطائفية وتهجير، وقتل باسم الهوية، والدين وباسم الله.

"الحنين أدعى للراحة من الخيبة، يقول حسن أوريد على لسان الصحافي، لقد عاشوا المسار1947، إلى اللحظة، واجفة قلوبهم، وتخللت هذا المسار جملة من خيبات وانكسارات… فعادوا إلى قاعة الانتظار وتكلسوا بها، لم يعودا قادرين على النظر إلى الواقع."

ولم نعد في زماننا أيضا قادرين إلى النظر في الواقع، واقع احتراب تحت مسميات شتى، واقع عراق ممزق تحت نيران داعش والطائفية المقيتة، واقع يمني يئن كل يوم، وحرب مفتوحة في الشام إلى أجل غير مسمى، وواقع احتراب سياسي طمعا في المناصب والكراسي.

أينع الربيع العربي، وأينعت معه أحلامنا، حرية واعترافا، وعدالة اجتماعية ومواطنة كاملة.. لكن سرعان ما تحول إلى خريف تتساقط أوراقه، وتذبل بذوره، وتشتعل ألسنة الثورة المضادة والانكباب على مصادرتها، ومصادرة أحلامنا التي صاحبتها، و تبخرت أحلامنا في العيش في أندلس جديدة حالمة وعالمة ومتصدرة شتى ضروب العلم.

في ضروب التيه والحيرة وما تموج به الحياة في أوطننا العربية، التي تنهل من نفس معين اللغة والثقافة، يقف الانسان مشدوها إلى ما آل إليه الوضع، وإلى ما أصبحت عليه الثقافة العربية. ففي كل يوم نرتشف مرارة الحدث، ونبتلع عسر المشهد، نكتفي بالتسمر في أماكننا، فلا مجال لتحليل مشهد وحدث عصي عن الفهم والإدراك، إنه مجال الصمت والتجاهل.

نوستالجيا العودة إلى العيش في كنف أندلس جديدة ضاربة حضارتها في عمق التاريخ والازدهار العربي، تنتصب أمام أعين عربية، نستالجيا وأمل في ربيع حقيقي يشهر أفول الظلم و النسيان والحرمان والاستبداد والاستبعاد الاجتماعي والسياسي. ربيع يحيي فينا الأمل، ويزرع في أحشائنا بذور المحبة والود والتآزر والوئام و التعاون، ويوقظنا من سباتنا العميق في كهف مظلم حالك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.