شعار قسم مدونات

هل نخدم أعداءنا؟

blogs - syria

ما يعرفه القاصي والداني هو أن منطقتنا العربية موبوءة حتى النخاع بالقتل على الهوية والحالة السياسية الصفرية للمجتمع، وأمور أخرى تؤدي كيفما كان إلى بعثرة الجغرافيا. هذه الجغرافيا التي يسكنها شعوب معقودة بخيوط ثخينة من مفاصلها والمتحكم بها يريد حرباً مفتوحةً للزمن لا هوادة فيها.

وقد أصبحت المنطقة أرضاً خصبة لمثل هذه الحروب وبالمعنى الأدق التصفيات، ولن ينتج عن هذه الحروب إلا تنظيماً لاحقاً للجغرافيا حسب رغبة الأروقة الاقتصادية بين موسكو وواشنطن وما تتبناه المشاريع السياسية فيما بعد بحجج واهية كالعادة. شئنا أم أبينا فإن الأفاعي تلف وتحيط بالمنطقة وفي جذعها تنمو الرؤوس انتهاءً بالذيل.

في الحروب لا حرمة للدماء ولا قوانين تنظمها بل هناك خطط تسيّرها كيفما شاءت، وما يمكننا حقاً فعله هو فصل الجذع عن الرأس بأمور شتى ونحن كشعوب نعرفها ولا تخفى علينا، أهم ما نريد قوله هو تثبت الانتماء للوطن بقاعدة ثورية، ولكننا الآن بجميع الأحوال لا نرى سوى الانتماء للموت ونعيش فيه حالتين لا ثالث لهما:

عندما نصبح دِثاراً للاشيء والخواء فلن تعلم معاني الخير والشر إلا عند رجوعك للتاريخ وأقله القريب منه

موت أزليّ سيبقى ملازماً لنا إن بقينا على هذا الحال، وموت على قيد الحياة بقهرنا الذي نحمله على أكتافنا ومرارة عيشنا وأخبارنا اليومية التي أصبحت روتيناً لا أكثر، والألم الذي تجرعناه شرقاً وغرباً من الصديق والعدو على حد سواء وحكايا لا يمكننا وصفها بالبتّة، لماذا يمكن أن نستسلم إذا كنا قادرين على إحياء الموت الثاني، هل هذا ما ساومنا عليه!

هل ثرنا لنقسّم بلدنا أم لتسلميه للغرباء الأعداء بأمور فعلناها وأدت لهذه النتائج الكارثية، وربما تكون عن غير قصد، هل ثرنا لنكتسح الظلم وقلع الفساد من جذوره؟ أم لنقع في دوامة أعمق من السابق وأردتنا إلى الحضيض؟

عند إلقاء نظرة سريعة على الحقائق الجارية في الأرض، وما بين شد وجزر ستجد أن الانتماء الفعلي قد ضاع في التشتت الخارجي والهوية الداخلية التي تأخد صبغاً عديدة وأعقدها الدينية والقومية. الحالة الداخلية أُصيبت بالملىء المقصود بعد أن خرجت الناس عفويّة ككل الثورات مطالبة ببعضٍ من حقوقها المسلوبة، فتم سَوقها إلى المأزق المستعصي كالفكري والاجتماعي وعلى جميع الأصعدة.

ماذا يعني أن تصل الشعوب لمرحلة تخشى فيها الحرية والوصول إلى مآلات الديمقراطية وهي أساساً في مجتمعات متعطشة لمثل هكذا حقوق مشروعة، ماذا يعني أن تُصاب بخوار القوى حتى تتشبع منه دون ارتواء ؟!!

هنا مفترق الطريق بين الفضيلة والرذيلة، ‏بين الخير والشر، ‏عندما تريد الفضيلة تمنعك الرذائل التي حولك ‏الموجودة في كل مكان، ‏وحتى عند اصطفافك على الحياد وعدم إرادتك للانجراف نحو الرذيلة حينها ستمنعك الفضيلة ذاتها لأنها مخترقة وربما تكون مزيفة.

ما العمل إذاً !؟
عندما نصبح دِثاراً للاشيء والخواء فلن تعلم معاني الخير والشر إلا عند رجوعك للتاريخ وأقله القريب منه والبحث فيه عن مآلات السقوط المدوّي في الفناء حتى العدم !
لا مفر ، لا مفر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.