شعار قسم مدونات

لماذا فاز ترمب في الانتخابات الأميركية؟

blogs - فوز ترامب

لم يستيقظ الكثير بعد ليس في اميركا وحدها بل في العالم أجمع من وقع الصدمة التي أحدثها انتخاب دونالد ترمب ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية. لم يكن وقع الصدمة نتيجة سقوط كافة التوقعات المسبقة  بفوز هيلاري كلنتون بالانتخابات استناد إلى معظم استطلاعات الرأي والتي جعلت صحف مخضرمة كالنيويورك تايمز تعطيها احتمال فوز 92% قبل يومين من الانتخابات فقط .

ولكن التأثير الاكبر للصدمة جاء من الادراك بان على العالم الان أن يتعامل مع رئيس أميركي جديد اسمه دونالد ترمب أثار بتصريحاته في الحملة الانتخابية الكثير من الخوف والزوابع على صعيد كافة من وعده بطرد ملايين المهاجرين غير الشرعيين الى بناء جدار على طول حدود المكسيك وجعل المكسيك تدفع ثمنه الى اقتراحه منع موقت لدخول المسلمين الى الولايات المتحدة  وحتى افكاره حول الانسحاب من الناتو وجعل دول كألمانيا واليابان وكوريا والسعودية تدفع الكثير لاستمرار حمايتها من قبل الولايات المتحدة وما قاله من التعاون مع بوتين في اماكن كسوريا.

 

بالرغم من انتعاش الاقتصاد النسبي منذ مجيء أوباما والخروج من الركود الاقتصادي لعقود وهبوط نسبة البطالة إلا أن المواطن الأميركي البسيط لم يشعر بتلك البحبوحة التي يتكلم عنها الاقتصاديون.

إذاً استيقظ العالم على خبر غير متوقع مخيف ومفاجئ: دونالد ترمب أصبح الرئيس المنتخب لأكبر قوة في العالم. يتساءل الكثير عن اسباب هذا الفوز المفاجئ والذي لم تتوقعه معظم استطلاعات الرأي والخبراء وكيف استطاع ترمب تحقيقه؟ ولماذا خسرت هيلاري كلنتون والحزب الديمقراطي؟

 

قد يبدو للوهلة الاولى بان اغلبية من صوت لترمب هم هؤلاء المتعصبون للبشرة البيضاء والكارهون للأقليات والمهاجرين والذين رأوا في تصريحات ترمب حول المهاجرين والاقليات ضالتهم في اعادة اميركا بيضاء كما يقول البعض ولكن في الحقيقة ورغم ان هؤلاء صوتوا بالفعل لترمب الا انهم لا يشكلوا سوى النسبة الاقل ممن صوت لترمب. النسبة الاكبر ممن صوتت لترمب لم تصوت له لأسباب عنصرية انما صوتت له لأسباب اشبه بالبريكسيت البريطاني من حيث ان اغلبية الطبقة العاملة ارادت التغيير واختارت التصويت لمرشح التغيير خاصة انه من خارج الطبقة السياسية بدلا من التصويت للمرشح السياسي المخضرم والذي يعد مرشح المؤسسة الحاكمة وهو في هذه الحالة هيلاري كلنتون.

 

يبقى السؤال الاهم لماذا صوتت نسبة كبيرة من الاميركيين للتغيير رغم العيوب الكبيرة في المرشح الذي مثل التغيير والذي اتهم بانه مزاجي لا يمتلك اي خبرة سياسية توهله لإدارة البلد بالإضافة لما سرب له من اشرطة فيديو تظهر تلفظه بألفاظ فاضحة حول تعامله مع النساء. الجواب عن هذا السؤال متعدد الجوانب ولكن العامل الاساسي فيه هو عامل اقتصادي بحت لكن هناك ايضا العامل الديني بالإضافة الى عوامل اخرى اقل اهمية كمسألة التأمين الصحي وضعف هيبة أميركا الخارجية بسبب أخطاء كارثية وقعت فيها إدارة الرئيس أوباما.

 

لنتحدث عن العامل الاقتصادي وهو العامل الاهم في تصويت الاميركيين لدونالد ترمب ومنحه الفرصة ليكون الرئيس القادم للولايات المتحدة:

بالرغم من انتعاش الاقتصاد النسبي منذ مجيء الرئيس أوباما والخروج من الركود الاقتصادي الأسوأ لعقود وبالرغم من هبوط نسبة البطالة من حوالي العشرة بالمئة عند مجيء اوباما الى ما دون الخمسة بالمئة مؤخرا إلا أن المواطن الأميركي البسيط الكادح لم يشعر بتلك البحبوحة التي يتكلم عنها الاقتصاديون وتتحدث عنها وسائل الإعلام إذ أن دخله الشهري لم يتحسن كثيرا مقارنة بالتضخم  مما نتج عنه ضعف القوة الشرائية للمواطن العادي أما من استفاد بشكل رئيسي من انتعاش الاقتصاد فهم تلك الطبقات الغنية والتي زادت غنا في وول ستريت وسيليكون فالي وغيرها من اماكن القوة الاقتصادية في الولايات المتحدة.

 

لم يجد المتدينين الملتزمين بتعاليم كنيستهم بدا من التصويت لترمب ليس حبا بشخصه إنما خوفا من هذه السياسية التي اتبعها الحزب الديمقراطي.

أدى هذا بالتأكيد الى اتساع الفجوة بين الطبقة الغنية في البلاد والتي نسبتها أقل من واحد في المئة لكنها تملك أكثر من ثلثي الاقتصاد والمال وباقي الشعب الذي مازال يعاني من أثار الركود الاقتصادي وضعف القوة الشرائية. كل هذا جعل الكثير من الطبقة العاملة تصوت لمرشح التغيير الذي وعد بإبقاء المعامل في اميركا ومعاقبة الشركات التي ستنتقل إلى بلاد أخرى تكون فيها اليد العاملة أرخص كالمكسيك والصين بدلا من التصويت لمرشحة الحزب الديمقراطي والتي اعتبرت بالنسبة لهم كاستمرار لنفس السياسة التي اتبعت في السنوات الثمانية الماضية وأدت الى شعورهم بالخذلان وفقدانهم للقوة الشرائية.

 

كان التصويت واضحا من حيث الجغرافيا إذ صوتت المدن الكبرى حيث مراكز المال والتكنولوجية والتي استفادت كثيرا من التطور الاقتصادي والانفتاح تجاريا على العالم الخارجي في السنوات الأخيرة للمرشحة كلنتون فيما صوتت الأرياف والمدن الصغيرة -تاونس- التي تكثر فيها المعامل والتي عانى سكانها من العولمة وهجرة هذه المعامل الى بلاد اخرى وبالتالي فقدان وظائفهم ذات الدخل الجيد الى المرشح ترمب.

 

هناك عوامل أخرى أقل أهمية لكنها أدت أيضا إلى تصويت نسبة لا بأس بها إلى ترمب- من هذه العوامل العامل الديني إذ أن الحزب الديمقراطي وفي السنوات الاخيرة تغير من حزب العاملين والطبقة الكادحة الى حزب الحداثة والانفتاح. هذا مما أدى إلى تبني الحزب لسياسات تتناقض مع تعاليم الكنيسة كالسماح بالإجهاض وزواج المثليين وغيرها من الامور التي ترفضها الكنيسة وبالتالي لم يجد المتدينين الملتزمين بتعاليم كنيستهم بدا من التصويت لترمب ليس حبا بشخصه إنما خوفا من هذه السياسية التي اتبعها الحزب الديمقراطي والتي وصلت في عهد إدارة أوباما الى إجبار المدارس على أن تسمح لمخالفي الجنس من استخدام المراحيض الخاصة بالجنس الأخر إن هم عرفوا أنفسهم بأنهم أقرب الى الجنس الاخر وتعد مخالفة ذلك مخالفة للقوانين وتمييز بحقهم كما ان ملء المنصب الشاغر في المحكمة الدستورية العليا والتي تقرر الكثير من الامور الاجتماعية المختلف عليها من قبل الرئيس القادم لم يبق للمتدينين من خيار سوى التصويت لمرشح الحزب المحافظ – الجمهوري- رغم المأخذ الكثيرة عليه.

 

رغم فوز كلنتون  بالأصوات الشعبية بواقع أكثر من مليوني صوت إلا أنها خسرت المنافسة لأنها خسرت في ولايات حساسة كولاية بنسلفانيا وميشيغان ووسكنسن والتي عادة ما تصوت للديمقراطيين.

من العوامل الاخرى التي ادت الى حصول ترمب على نسبة أصوات غير متوقعه كانت الأخطاء التي وقع فيها الرئيس أوباما وإدارته والتي استغلها ترمب والجمهوريين خير استغلال في حملتهم الانتخابية تجاه جمهور غاضب اجتماعيا واقتصاديا. من هذه الأخطاء الطريقة التي تم تبنى نظام الرعاية الصحية بها أو ما يسمى اوباما كير والذي وإن أدى الى زيادة في عدد المؤمنين صحيا إلا أنه ضاعف من العبء المالي والإقتصادي على عشرات الملايين ممن كان لديهم تامين صحي قبل النظام الجديد وبالتالي زادت معاناة عشرات الملايين الاقتصادية بسبب إرهاقهم ماليا جراء زيادة تكاليف التامين الصحي والتي هي مرتفعة جدا أصلا.

 

كذلك فإن السياسة الخارجية لأوباما والتي ربطها الجمهوريين بولادة تنظيمات عابرة للقارات ومتطرفة كداعش وتقوية زعماء كبوتين وكسر هيبة أميركا خارجيا بعد العودة عن الخط الأحمر بمسألة استخدام السلاح الكيميائي في سوريا كل هذه الامور جعلت من التغيير ورقة قوية لدى تلك الطبقة الأميركية التي تود رؤية اميركا عظيمة وقوية.

 

أخيرا وبسبب معرفتهم بإن هيلاري كلنتون هي المرشح الأقوى المحتمل لخلافة أوباما في الحزب الديمقراطي منذ عدة سنوات فقد ركز الجمهوريون حملتهم لشيطنة هيلاري وايجاد نقاط ضعف عندها والتركيز عليها وقد جاءت احداث بنغازي  والتحقيق بها وما تلاه من اكتشاف مسالة استخدام سيرفر -مزود- خاص للبريد الالكتروني لها عندما كانت وزيرة خارجية بدلا من السيرفر الرسمي للدولة وفتح تحقيق من قبل جهاز التحقيقات الفدرالي بالامر جاءت كل هذه الاحداث لتظهر هيلاري بمظهر السياسية التي تخفي الحقيقة وهذا بالتاكيد لم يساعد الكثير من المترددين على التصويت لها بنهاية الامر.

 

كل هذه الأسباب مجتمعة أدت الى تصويت عدد غير متوقع من الناخبين لترمب ورغم فوزها بالأصوات الشعبية بواقع أكثر من مليوني صوت إلا أن كلنتون خسرت المنافسة لأنها خسرت في ولايات حساسة كولاية بنسلفانيا وميشيغان ووسكنسن والتي عادة ما تصوت للديمقراطيين ولكن وبسبب طبيعتها الاقتصادية وضعف نسبة الاقليات فيها – صوت اغلب الاقليات للمرشحة كلنتون. صوتت غالبية بسيطة فيها لترمب وأعطته الفوز.  بالمجمع الانتخابي وهو ما يحدد الفوز بالرئاسة في اميركا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.