شعار قسم مدونات

الواقع الصحي في بلاد الرافدين.. جسدٌ يحتضر

blogs - الصحة العراقية

لا يخفى على أحد إن النظام الصــحي في العــراق قـبل ثلاث عقود كان من بين الأفضل في الشـرق الأوســط، مستنداً على رأس المال المركز، ونظام المستشفيات الصحيح والمجاني، واعتـمدت البــلاد بنـطاق واسع على استيراد المعدات والأدوية الطبية الحديثة آنذاك. اتَّخذ الواقــع الصحي في العراق بعد سقــوط النظام الســابق منحــدراً مريراً من المشــاكل والمعوقـــات التي واجــهت هذ القطــــاع، ولابد من الإشــارة الى إن نظام الصــــحة ِ في العراق هو من القطــاعات التي يتـــطلبها المـــجتمع العراقي في ظلِ ظروفٍ عصـــيـــبةٍ وموجـــاتِ عنفٍ يشـــهدها الشـــارع العــراقي، وفي حقيـــقة الأمر طرحُ مثل موضـــوع الواقع الصـــحي يتطلب عشرات المدونات التي ترافـــق هذا المجال، لإن فيه إشكالية معقدّة تمس حياة العراقيين البسطاء.

 

بعــض من الأطــباء يستــخدم المال والمادة قبل مهنة الشرف، وقبل الإنســانية التي يلتزم بها الطبيب، وفي السياق نفسه يعمل بجدٍ أكبر في العيــادة ويتقاعس في النصــيحة والخدمة في المؤسسة الطبية.

من أبرز مشاكل القطاع الصحي اليوم هجرة الكفاءات الطبية الكبيرة المتميزة في مجال الصحة نتيجة ً للحربِ الأهلية التي شهدها العراق بعد سقوط النظام السابق، ليس فقط الاكتفاء بالتهجير فحسب بل تهجيرها واستهدافها جسدياً وابتزازها معنوياً ومادياً، لإقصائها ونزوحها، هذه الكفاءات التي هاجرت تتميز بمهنيةٍ أكبر، وعقول مستنيرة لها خبرة كبيرة في هذا المجال. هذا من جانــب ومن جانبٍ آخر باشرت المستشفيات الحكومية العراقية بتحصيل رسوم للخدمات الصحية من المرضى لأول مرة بعد أكثر من 35 عاماً من مجانية الرعاية الصحية التي تتكفل الدولة بتأمينها للمواطنين.

 

والمشكلة الأهم أيضاً الفســاد الإداري الذي ينــهش من داخل هذهِ المؤسســـات، نتيــجةً لضــعفِ الرقابة الحــــكومية والتّــــستر عليها، ومن المشـــاكل الأخرى أيضــاً هي "الأدويــــة الفاســـدة" التي تسللت الى داخل هذهِ المؤســســات الطبية، وهذهِ الأدوية تشــكلُ خطراً صــحياً محــتماً كبيراً لهذا الســياق، "إذا لم تَمُتْ بالانفجارات والعبوات الناسفة، فإنك ستموت بالأدوية والحقن القاتلة"، هذه الكلمات قالها سالم العبيدي، الذي توفي ابنه إثر حقنة منتهية الصلاحية في أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، معبراً عن الحال الذي وصل إليه الطب في بلاده. ناهيك عن التــستر على علاقــة الزيادة الهائلة بحــالات الأورامِ والتشــوهات والإسقاطــات والعــقم ذات العلاقة بقــضية استخدام أســلحة الدمار المحظورة في مختلف مناطق العراق، والمــعادن الثــقيلة والتلــوث البــيئي والمــثبتة بدراســاتٍ عراقيةٍ وعالمــية.

 

في حين تلعــب السياســة الدوائية الفاشــلة دوراً كبيراً وفقدان الرقابة والتــفـتيش على الدواء والغذاء وتدهور صناعة الأدوية. والطامــة الكــبرى التي تحـــول فيها العمــل المــهني الطبي الى معاير الانتماء الطائــفي والمحاصــصة، وسلوك سياسة بغيته وسياسة بائسة ألا وهي " سياسة الإقصاء والتهميش للأطباء " والاعتماد على كوادر غير مهنية، وغير رصينة علمياً في إدارة المستشفيات والمراكز الصحية، هذهِ الأمور تتبناها الســلطة الحاكمة اليوم. وهذا يؤثر تأثيرا سلبياً محتماً على واقع الصحــة في هذهِ الايام، وفي حقيقة الأمر إن المؤسســة الطبية هي مؤسسة يَعتَمد عليها المجــتمع العراقي، لما يتطــلبه المريض العراقي من دواء ورعاية صحية كبيرة.

 

"إذا لم تَمُتْ بالانفجارات والعبوات الناسفة، فإنك ستموت بالأدوية والحقن القاتلة"، هذه الكلمات قالها سالم العبيدي، الذي توفي ابنه إثر حقنة منتهية الصلاحية في أحد مستشفيات العاصمة العراقية بغداد.

ولابد من النظر الى نموذج دول الجوار ودول العالم وتميّز عالم الطب هناك .ومن الأولــويات الكبــيرة والحثيــثة للتأمين الصحي، قوانين تُفرض على الأطـباء في مختلف البلدان مثل قانون يسمــح للعيادة الطبية خلال أربعة ساعات فقط لا غير، وذلك لشرف المهنة الكــبيرة واحترامها لأنها إنســانية قبل كل شيء، أما العراق فالأمر مختلف عيادات غير مرخصــة وبكثــره وأطبــاء لا يعـطون الدواء المنــاسب في الجــلسة الأولى بعض الأطباء الذين "انسلخوا عن إنسانيتهم " وتجرّدوا منها في سبيل حب المال وجمعةِ، على حساب المريض العراقي الفقير، في حين وصلت قيمة المعاينة الطبية لدى بعضهم الى أكثر من ستون ألف دينار عراقي (53دولار) وهذا رقم كبير قياساً بباقي الأطباء، والدواء الى أكثر من مئة وخمسون الف ديناراً عراقي 120دولار تقريباً حصراً من صيدلياتهم لأنهم يكتبون بالرموز، وهم متأكدون إن هذا الدواء لا يُشفى في المرة الأولى.

 

واقع مرير في المجال الصــحي العراقي فهناك بعــض من الأطــباء يستــخدم المال والمادة قبل مهنة الشرف، وقبل الإنســانية التي يلتزم بها الطبيب، وفي السياق نفسه يعمل بجدٍ أكبر في العيــادة ويتقاعس في النصــيحة والخدمة في المؤسسة الطبية، لأن المال يضغط على المهنة والخدمة بصورةٍ واضــحة، ويبقى المريض العراقي الفقـــير يُلوّح برقبتهِ يمــــــيناً وشمـــــــــالاً ويـــترقّب رحمــة الباري عز وجل وفي إسكاتِ هم المرض، وصــــــعوبةِ إيجاد حلٍ طـــبي لما يتــــعرض له من ضــــغوطات نفســـيةٍ وجـســــــديةٍ، ناهــيك عن الحـــالات المســــتعصية داخل البلد، والســفر الى دولٍ أخرى لأنها تمتلك أجهزة طبية حديثة وخبرة مُتناهية تخدم المريــض.

 

 فعلاً مأساة لا تُغــتـــفر وواقــع مرير في ظلِ ظــروفٍ صـــعبةٍ كبـــيرة يشــهدها العراق، من تردي أمني خطير وانقسام في السلطة على حساب المواطن واللعبِ على مشاعر المساكين في العراق، والضحك على الذقون والوعود المرّة التي شربها العراقيين من كأس السياسية المزيفة التي يعيشها اليوم. وفوق كل هذا تبقى رحمة الباري هي حجر الزاويــة في كل حدبٍ وصـــــوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.