شعار قسم مدونات

لا تكن أباً

blogs - love

بعد انتهاء الشهر الأول من الزواج أو ربما أقل من ذلك، تبدأ أسئلة غير ذي معنى تُحاصر من دخلا القفص الذهبي حديثاً ممن أهمهم أمرهما أو غير ذلك، أبرزها إن كان الزوجان قد تمكنا من الحصول على جنينٍ في تجويف أمه الداخلي؟!
 

إجابة السؤال السابق، ربما تكون الشغل الشاغل لأغلب بني البشر، أن يحصلوا على ذرية ممتدة، تلك فطرة الله التي فطر الناس عليها من حب طيبات الدنيا وزينتها "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، فالله جل في علاه عدّ الذرية من الشهوات التي زُينت للناس، لكن ألم نعطي أنفسنا فرصة للتفكير إن كانت هذه الذرية شهوة يتبعها نعمة أم أنها ستنقلب إلى نقمة في الدنيا والأخرة؟! فإنه من مؤسف جداً أن يكون الانجاب لمجرد الانجاب فقط، من أعظم مشاريع الحياة لدى بعضنا.
 

هل خططت وفكرت ماذا ستقدمُ لابنك؟ هل ستكون قادراً على أن تكون قدوة له؟ ما الذي ستمنحه لأن يكون عظيماً من بعدك، أم ستتركه إمعةً تركله الحياة بين طياتها، أم أنك ستصنع منه إنساناً يختار طريقه رغم الصعاب؟

حقاً مسكين ذاك الذي يعتقد أن النبي ﷺ عندما قال في حديثه المعروف "تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة" يريدُ منا أن نكون أمة كبيرة وممتدة فقط كغثاء السيل، لا والله فما حاجة نبي الله لأن يباهي بالعدد ليس لهم وزناً بين الأمم، أمرهم بيد ولاة الأمر في روسيا وأمريكا وإسرائيل، بل إن النبي ﷺ يريد أن يتباهى بأمةِ تسود الأرض وتُطبق العدل والشريعة، وتؤدي دورها التي خُلقت من أجله.
 

قبلَ أن تفكر في أن تكون أباً، هل خططت وفكرت ماذا ستقدمُ لابنك؟ هل ستكون قادراً على أن تكون قدوة له؟ ما الذي ستمنحه لأن يكون عظيماً من بعدك، أم ستتركه إمعةً تركله الحياة بين طياتها، أم أنك ستصنع منه إنساناً يختار طريقه رغم الصعاب؟ هل ستدفعه لأن يفتخر باسمك وحياتك، أم ستجعل نسبه إليك لعنةٌ تطارده أينما حلّ؟
 

عزيزي القارئ لا تكن أباً إذا لم تكن قادر على توفير أدنى مقومات الحياة لأبنائك، فهم ليسوا بحاجة إلى أن يجوبوا الطرقات، وفي أيديهم الصغيرة بعضاً من الحلوى يتوسلون من يطوفون حوله لشرائها، أو تنحني عظام أظهرهم اللينة من العمل لدى وحوش بني البشر، كما أن وطننا ليس بحاجة لتفوق جديد في تخطي خط الفقر.
 

لا تكن أباً إن كان سينتهي الحال بأبنائك في صفوف ميليشيات تستجم على ضفاف أنهار من دماء الأطفال في حلب وبغداد، أو تتسامر على هضاب من جماجم النساء في تعز وسرت، فالبلاد قد تشبعت من هؤلاء الحثالة.

لا تكن أباً إذا كانت أبوتك ستضيف أعداداً جديدة على قائمة تطول من الجُهال، الذين لم يعرفوا للتعليم طريق، ولا للمعرفة عنوان، فمعركتنا مع العدو معركة معرفة ووعي وثقافة، ومن لا يمتلك أركان هذه المعركة لن يكون إلا عنصر هزيمة لها، فلا تحجز خانةً له بين المنهزمين المخذولين.
 

لا تكن أباً إذا كان الحال سينتهي بأبنائك في قسم الأحداث بسجون الدولة، لسوء تربيتهم وانعدام أخلاقهم، أو يُراكمون من نسبة المتسكعين في الشوارع دونما هدف أو غاية، فلم يعدْ هناك متسعاً للزائدين عن هذه الحياة.
 

علينا أن نستيقظ من غفلتنا الجماعية، ونعي دورنا، نلملم شتاتنا، نعيد التفكير في الطريق، نتوضأ من الضلال، ونستعيذ من الغثاء.

ولا تكن أباً قبل كل ذلك، إن كنتُ ستنجب طفلاً مشبعاً بالحقد والكراهية، أو مغموساً بعنصريته المقيتة، يملك سوط السيادة مذ ولادته، أو مصاباً بعمى عمّا يدور بأمته.

إن الحياة أعظم من أن ننغمس في شهواتنا بغير هدى، علينا أن نستيقظ من غفلتنا الجماعية، ونعي دورنا، نلملم شتاتنا، نعيد التفكير في الطريق، نتوضأ من الضلال، ونستعيذ من الغثاء، نعكف على تطوير أنفسنا، نُغذي ذواتنا القاحلة، نُربي أنفسنا ونصنعُ أحلامنا بأيدينا، نعي ما نريد لا ما يريده الآخرون بنا.
 

هذا لا يعني أن تقتصر على الأُنس والشهوة فقط، بل هي دعوة لأن نطور من ذواتنا ونحسن من أنفسنا حتى نكون آباءً جيدين يفخرُ بنا أبناؤنا كلما نُسبت أسماؤهم إلى أسماءنا، وتذكر أن لك موعداً مع النبي، ينتظر أن يُباهي بفعلك لا باسمك ونسبك، وعليكَ أن تُجهزّ عتادك لتلك اللحظة، أن تحفظ أبناءك، تنبتهم نباتاً حسناً، تستثمرهم في الحق، ثم بعد ذلك كن أباً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.