شعار قسم مدونات

عمر بن عبد العزيز وعلاج الفقر

blogs- الفقر

الفقر من أهم المشاكل التي عجز الإنسان عن القضاء عليها بشكل تام، حتى في عصر التقنية، عجز الإنسان عن إيجاد حل لها، لكننا إذا تصفحنا التاريخ علمنا أنه كان هناك عصر بلا فقراء، وهو عصر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز. إذا كيف حقق هذا الحلم، وما هي العوامل التي ساعدته؟
 

١ – المجتمع المسلم: لم يتحقق هذا الحلم إلا في مجتمع مسلم، فلم يتحقق في مجتمع شيوعي يلغي الفرد في سبيل المجموع، أو رأسمالية تعظم الفرد ولو على حساب المجموع، بل إن الإسلام يراعي الفرد والأمة جميعا. فالفرد يجنى ما يعمله على أن يكون من حلال ليس بظلم أو غش، وهنا يراعى الفرد، ثم يطلب منه فقط حق الزكاة وما تجود به نفسه من صدقات، ليتم توزيعه على فقراء الأمة ممن يعجز عمله عن سد احتياجاته أو أن يكون عاجزا عن العمل كالأعمى وغيره من "أصحاب العاهات".
 

في عهد عمر بن عبد العزيز نرى رأس الدولة سيد زهاد عصره، فبالتالي صارت العلامة المميزة لأكبر الناس مكانة ليست المال ولا الجاه، بل الزهد والطاعة.

٢ – الدولة القوية: لم يتحقق هذا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الخلفاء الراشدين مع إنهم أفضل من عمر بن عبد العزيز، والفارق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه كانوا في مرحلة بناء الدولة وتثبيت أركانها بخلاف عمر بن عبد العزيز والذي ورث دولة قوية جدا ذات أساس متين وذات سيطرة على أكبر وأقوى دولة في العالم وقتها، وبالتالي عظم الواردات المالية من خراج وزكاة وجزية وأعشار وغنائم والتي تغطي أرضا تمتد من السند شرقا إلى الأندلس غربا.
 

٣ – الفتوحات التي حدثت في عهود سابقيه كان لها دور في إثراء بيت مال المسلمين.

4 – رد المظالم: ففي عهود سابقيه من الأمويين كانت هناك الكثير من المظالم، وفي الغالب كانت معظمها إعطاء ما لمتوسط الحال إلى ميسور الحال أو ما لغني إلى من هو أكثر غنى، فتم رد المظالم، وبالتالي إعادة توزيع الثروة.
 

٥ – القدوة: وهذه من أهمها فمن هو أقل مكانة يسعى للتشبه بمن هو أعلى مكانة، ولذلك لما جرت عادة الملوك على البذخ والإسراف نرى الأغنياء يسرفون وينفقون فيما لا فائدة منه، لكن كيف إذا انعكس الأمر! ففي عهد عمر بن عبد العزيز نرى رأس الدولة سيد زهاد عصره، فبالتالي صارت العلامة المميزة لأكبر الناس مكانة ليست المال ولا الجاه، بل الزهد والطاعة، فصار الناس يتسابقون في الزهد والطاعة ومنها الإنفاق فأدى ذلك إلى ازدياد معدل دوران الأموال بين الناس، ولم يعد يُعرف الغنى من الفقير لأن الكل زاهد يرضى بالقليل.

في الخلافة الراشدة لم تكن هناك أموال وإقطاعات مخصصة للأسر الحاكمة لعدم وجود أسر حاكمة أصلا، فكانت هذه الأموال تذهب للأمة لأن الأسرة الحاكمة هي الأمة كلها.

كما أن أكثر الناس سيطرة على المكانة والقوة هم أصحاب المناصب، فعندما يكون رأسهم زاهدا يلبس من الثياب ما ثمنه 5 دراهم ويأكل ما يجد، فبالتأكيد لن تطيب نفوسهم بارتداء ثياب الحرير المطرزة بالذهب، بل سيتسابقون هم أيضا في الزهد.
 

٦ – الخلفاء من الأمة، ليسوا أسرة بعينها: ففي الخلافة الراشدة لم تكن هناك أموال واقطاعات مخصصة للأسر الحاكمة لعدم وجود أسر حاكمة أصلا، فكانت هذه الأموال تذهب للأمة لأن الأسرة الحاكمة هي الأمة كلها والحاكم من الأمة كلها، إلا أنه بعد تخصيص الحكم في أسرة معينة كمثل حال القيصرية أو الكسروية، وهي هنا الأسرة الأموية وتخصيص أموال وقطائع لهم أضاع على الأمة الكثير جدا جدا من حقوقها والتي تكفى لملايين وتنفق على بضع مئات من الأسرة الحاكمة والتي أيضا لا تقتصد بل سمتها الإسراف.
 

والمشكلة الأكبر أنها قد لا ترضى بما لديها حتى تعتدي على ما لدى غيرها عن طريق الظلم والعسف، أدرك عمر بن عبد العزيز ذلك، فأراد القيام بتجريد الأسرة من كل ما لها من امتيازات تحت مسمى الأسرة الحاكمة، فلما أبوا قال لهم في حزم "إن لله من بنى مروان يوما وقيل -ذبحا- وايم الله لو كان ذلك الذبح على يدى" فكفوا، لكنه لم يأخذها أيضا بالعسف ابتداء حتى لا تكون فتنة وهذا هو نعم الفقه، لكنه أيضا له هدف وسيحققه، فيقول لبنى مروان وقد رفضوا التنازل "لولا ان تستعينوا علي بمن أطلب الحق له، لأضرعت خدودكم عاجلا، ولكني أخاف الفتنة، ولئن أبقاني الله لأردن إلى كل ذي حق حقه إن شاء الله".
 

هذا بعض ما رزقني الله على هامش قراءتي لسيرة عمر بن عبد لعزيز من كتاب الدولة الأموية للصلابي، وطبعا هذه ليست كل الأسباب، لكنها ما رُزقت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.