شعار قسم مدونات

تناقض..

blogs - human

ما نمرُّ به في اللحظات التي تمضي من أعمارنِا هي مُجرد مشاعراً مُتناقضة تتملّكنا طِوال فترة عيشنا في هذه الحياة، فمن شعور السعادة الذي يؤذيك عندما يغيب عنك، إلى شعور الحُزن الذي يُسعدك عندما يذهب بعيداً!

هكذا هي دورة الحياة، سعادة وحزن وشوق وخوف وقلق وأرق وتعب واشمئزاز وضيق وكبت وظلم وظلم وظلم بكاء فانفجار، رُبما كان هذا مُتناقضاً أو رُبما الفقرة التي تسبقه!

ليس في هذا عجب؛ فالتناقض في كُل تلك المشاعر التي تحكم حياتنا وأفعالنا أمر ليس غريباً، وليس الغريب أننا نعيش حياتنا كُلها مُتنقلين وغارقين في كُل بحر من تلك البحور من تلك المشاعر، ولكن الغريب هو أن يكون كُل هذا الكم من التناقض في إنسان واحد. فالغريب فينا نحن الذين نعيش في تناقض بين ما تفعله أجسادنا وما تُريده عقولنا وبين ما تنبض به قلوبنا أيضاً.

الغريب فينا نحن الذين نتقبّل المُر منها رغم رفض عقولنا اليتيمة لها، نتقبلها بأجسادنا التي استسلمت للأفكار التي صاغها غيرنا من الناس، رغم أننا نمتلك القدرة على تغييرها والعيش في بحرٍ من الأفكار الخاصة بنا نحن، وليس هُم، والغريب أيضاً هو أننا أصبحنا نستسلم للحاجة التي باتت لوحةً للتحكُم بِنا في الحين الذي نستطيع فيه أن نبني حاجتنا بأيدينا.

الطريق نحو ما نُريد لم يكن يوماً بعيداً؛ لكن الحاجة التي تملّكت فكرنا المحدود لم تشأ لنا التحرر من الظلام الذي خيّم على بقايا النور فينا بعد.

وكُل التجارب في هذا العالم لم تُثبت يوماً أن أحداً لا يمتلك القدرة على التفكير، أو أن أحداً لا يمتلك القدرة على العمل بجد حتى يصل إلى ما يُريد، كُل التجارب الناجحة وحتى الفاشلة مِنها والتي كانت بداية للنجاح التي أصبحت تُروى في الكُتب والمجلات وباتت أمثلة للنجاح والعمل، كُلها كانت نتاج فكرةٍ تحررت من العقل وامتلكت الجسد الذي بدأ في العمل فيها حتى تُصبح واقعاً كما تخيّلها صاحبها الذي امتلك الإرادة.

فالطريق نحو ما نُريد لم يكن يوماً بعيداً؛ لكن الحاجة التي تملّكت فكرنا المحدود لم تشأ لنا التحرر من الظلام الذي خيّم على بقايا النور فينا بعد، فليس من السليم أن نعيش حياتنا ننظر إلى أحلامنا ونتمنى تنشق عبيرها ونحن هُناك في الزاوية الأخرى لها، لأن فكرة شخص غريب تملّكت جسدي.

هذا الأمر الذي يورث في النفس ذلك الشعور الذي يؤذينا من الظُلم الذي يُضعف قلبُك أمام الضعفاء من الناس، الذين حكّمهم علينا الزمان وباتوا يجدون في مناصبهم حاجةً مُلحةٍ لإظهار ذاتهم المهزوزة إلى الشعور بالحُرية المُقيدة التي تُحرر ذاتك من أفكارهم دون أن تحرر جسدك الذي يمتلئ بالكدمات العميقة، تلك الكدمات التي تسبب بها لسانك الذي لم يخشَ الحديث عن مبادئه عندما رفض فكرتهم الأنانية بامتلاكِك وامتلاك عقلك.

لهذا يعيش أغلب سُكان هذا العالم تناقضاً رهيباً في دواخلهم، اعمل جيداً على فكرة التحرر من الجسد المحكوم واجعله طليقاً في هذا الملكوت الواسع. ولا تكذب على نفسك لذا لا تدّعي أنك على قيد الحياة إن لم تكن أنتَ ما تُريد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.