شعار قسم مدونات

تم قبول عضويتك.. وحدها الجزيرة!

blogs - writing
موهبة "الكتابة، أزعم أنني أمتلكها منذ الصِغر، أجد نفسي فصيحًا بالفطرة، هذا ليس غرورًا ولا تباهيًا، ولكنه من باب "وأما بنعمة ربك فحدّث"، لطالما تمنيت أن أكون "كاتبًا" بحجم هذه الكلمة الفخمة، لأن الحرف وحده من وجدتّني من خلاله، ولا أقرب من الفرح والوجع في آن، سواه، ورب كلمةٍ نفعت أمة، وفي زمن الطفرة في كل شيء، تُصبح الكتابة رسالة، وليست مجرّد حروف تُرص!

الالتحاق بـ "الجزيرة" حلم أي فرد يعمل في الحقل الإعلامي، حتى ولو أن تلتقط له هذه القناة صورة في وسط الزِحام، فماذا لو أصبح أحدُنا مدوّنًا في موقعها العملاق، بالطبع إنه زهو من نوع آخر، ونقطة ضوء ستبقى مُشعّة للتاريخ، وليس من السهل أن تفاجئك رسالة على الإيميل تقول: عزيزي إبراهيم لقد تم قبول عضويتك كمدون، وحدها الجزيرة من تنفرد بذلك، ووحدها من تترك مساحة شاسعة للمواهب أيضًا، وتاريخها غني عن التعريف، ويكفيها أنها كانت أقرب لنا وأحلامنا في ربيعنا العربي من أي منبرٍ آخر!

الكتابة تحدٍّ واختبار، وتعلمت من أول انطلاقاتي الكتابية، أن التحدي يلزمه مثابرة وإرادة وعزيمة.

أنا إنسان، أجد بداخلي الكثير من الأشياء التي لا يمكن أن أعبّر عنها بغير "الكتابة"، وفي وضع مثل وضعنا اليمني خصوصًا، والعربي عمومًا، تُصبح المأساة وجبة يومية، والوجع فيتامين وحيد، راسلت عدة مواقع عربية معروفة ومشهورة من أجل أن آخذ حقي من تفريغ الحمل الثقيل الذي بداخلي، لكنها لم تعرني أي اهتمام ولم تتح لي أي مجال.

وعلى سبيل الدُعابة، أذكر أنني قبل ما يُقارب العام، راسلت سكرتير أحد المواقع اليمنية المشهورة، وهو صديق، من أجل مقالة لي أود أن تُنشر في موقعهم، فعاملني برسمية، وأعطاني ايميل رئاسة التحرير، فأرسلت ما بحوزتي عبره، فلم يُنشر ولم أجد له أي صدى، بالطبع، قلت ربما شروطهم لا تتوافق مع ما كتبت، أو أن المقال لا يُناسب موقعهم الكبير، فعذرتهم، رغم الوجع المُحبط، لكنني تفاجئت أن مقالة ركيكة جدًا، مليئة بالأخطاء الإملائية وتكتض بالفوضى، لإحدى صديقات الفيس، طلبت مني أن أرسله لنفس الموقع، فأعطيتها ايميل السكرتارية، فأرسلته، أي صديقتي، ولم يمض على مقالتها، سوى أقل من ساعة حتى رأيته برأس صفحة ذلك الموقع، فأدركت أنني بحاجة لصورة ناعمة واسم انثوي حتى تُقبل مادتي، ليس استنقاصًا للأنثى، حاشا وكلا، وإنما استحقارًا للتعامل المزودج، المبني على فوضى الحواس الخمس، وارتجاج العواطف!

ما الذي يُجبر كثير من المواقع على التعامل بعيدًا عن المهنية والمعيارية؟! وما الذي يدفعك لأن تتعامل مع الكتاب والمدوّنين بلزومية إيجاد الوساطة؟! لماذا فيتامين (الواو)، من الوساطة، شرط أساسي لأن تُصبح كاتبًا في صحيفة أو موقع إخباري؟! ما الذنب الذي اقترفته "أنا"، مثلًا، لكي تمنعني من أن أعبّر عن ما بداخلي من قضايا وأفكار؟! لدي قضية، وصوتي معركة، أهميتها من أهمية ما يدور في وطني وأمتي وقومي، أنا، وإن لم أكن مكتمل الجاهزية بنظر الكثيرين، فلست بأقل من سيرك طويل من الأقلام التي تنتشر في عالمنا الصحافي، مليئة بالمغالطات الفجّة، التي لا تؤهل الفرد لأن يُمسك بالقلم، ولا مانع من التعلّم، ولكن أماكنه معروفة!

الكتابة تحدٍّ واختبار، وتعلمت من أول انطلاقاتي الكتابية، أن التحدي يلزمه مثابرة وإرادة وعزيمة، ولا زلت أذكر كمية المقالات التي أرسلتها لمواقع عديدة، لكنها مُنعت من النشر، لأسباب تخص المؤسسات الإعلامية تلك، أعترف أنني لا زلت في طور التعلم، وسأظل، وأعترف أيضًا أنني بحاجة للمزيد والكثير حتى أصقل موهبتي هذه، ولطالما أُصبت بالإنتكاسة وتوقفت عن الكتابة، لكنها، أي الكتابة، احتياج فطري، وحينما أتوقف عن الكتابة، أشعر بأنه لا قيمة لي في هذا الوجود المتناقض، وبداخلي صوت يدفعني لعدم التوقف، مهما كانت المعوقات، ولا أحلى وأعظم من لحظة تشعر فيها بأنك انجزت مقالةٍ ما بعد تعديلات عدة، وجهد مضني وشاق!

لا أجمل من أن تتحوّل الكتابة إلى مادة يومية للناس، وتشتغل الأقلام بدلًا من الرصاص، ونزيف الحبر بدلًا من نزيف الدم والحرب!

رفْض الكثير من المواقع العربية واليمنية لكتاباتي، منحني الحصانة من اليأس والإحباط، وأصبح من السهل أن أكتب مقالة بكثير من الجهد وترفضها بعض مؤسسات الإعلام المحسوبياتية، علمني "التدوين" الصبر، وتعلمت كيف أروِّض الموهبة على الانتظار والترّوي حتى آتيها بقيمة جديدة تستحق المعجزة وثناء القراء، ولا زلت أذكر بداية كتاباتي على "الفيس"، أقرأها الآن، وأضحك بصوت عال، لكني أشعر بالفخر حقًا، من البدايات الأولى وأنا أكتب بدون خوفٍ أو تردد، وأنتظر أحدهم ليعلّق علي متباهيًا، (روح تعلم الإملاء وتعال اكتب)، صحيح أن كهذه التعليقات موجعة، لكني لم أعرها أي اهتمام، واستمرت كتاباتي، حتى وصلت لهذا اليوم، الذي تأتيني رسالة على الإيميل:
(تم قبول عضويتك كمدون)، وأصبح عضو ومدوّن، ويا لقداسة التجربة، وعظمة المكان!

الكتابة هي "الإنسان"، تقول "رزان المغربي"، علمتني الكتابة كيف أتحدي مخاوفي الكبيرة، كيف أصبح فوقها تماماً وأتجاوزها، يصبح فعل الكتابة أكثر جرأة وأكثر صدقاً، وملزماً للتحدي من جديد فهو الذي يتغلب على جبن الخوف من صفحة بيضاء تتحدانا. انتهى كلامها.

هذا هو سر الكتابة، أن تُصبح شغفًا، ولا كمال إلّا بها، ولا أجمل من أن تتحوّل الكتابة إلى مادة يومية للناس، وتشتغل الأقلام بدلًا من الرصاص، ونزيف الحبر بدلًا من نزيف الدم والحرب!

مدين لهذه التجربة حقًا، ولا أقدس من أن يمنحك الزمان فرصة لأن تكتب في "مدونات الجزيرة"، ولستُ مبالغًا لو قلت أن أعلى سقف لأمنيتي أن أصبح يومًا ما مدونًا في موقع شعب "الجزيرة"، وهذه تكفي لأن أصبح الشخص الذي أريد، وسأمارس طقوس الكتابة على طريقة بعض الأدباء الذين يُعدّون للكتابة عدتها، فيحضر هذه الطاولة وتلك الأقلام والورق، ويعد القهوة، ويستمع الى الموسيقى الكلاسيكية، كما فعلت مع هذه التدوينة.

شكرًا لهذه الفرصة التي منحتني الانسجام، وصفاء الذهن، شكرًا مرة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.