شعار قسم مدونات

العثمانيون وبيت المقدس وفاءٌ وانتماء

blogs- بيت المقدس

شَكَلَ حكم الخلافة العثمانية على بيت المقدس صفحة ناصعة في تاريخ هذه المدينة المقدسة، ومنح العثمانيون وساماً رفيعاً نتيجة للتقديس والاهتمام والرعاية التي حظيت بها هذه المدينة ومسجدها الأقصى خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة التي حكم فيها العثمانيون (1516-1917م).
 

وتبدأ قصة بيت المقدس مع العثمانيون عندما استقبل سكان بيت المقدس من أعيان وعلماء وعامة الشعب الخليفة العثماني سليم الأول -توفى 1520م- بالفرحة والسرور والترحاب الكبير، والذي مر على بيت المقدس في طريقة لمصر، حيث استلم هذا الخليفة لمفاتيح بيت المقدس من اعيان هذه المدينة ووجهائها سنة 1516م. ومن ذلك اليوم لحكم العثمانيين لبيت المقدس إلى آخر يوم تواجدوا فيه، تمتع بيت المقدس بنهضة عمرانية وحركة إصلاح اجتماعي وثقافي واقتصادي، ومن الصعب حصر ذلك في هذه المقالة القصيرة.
 

سعى معظم خلفاء الدولة العثمانية الى إظهار الاحترام والتبجيل لبيت المقدس وللمسجد الأقصى، وقاموا بإجراء الإصلاح والتعمير للأبنية المنتشرة في ساحات المسجد الأقصى وأضافوا إليها.

ولكن حسبنا أن نذكر كيف أن للعين المجردة أن ترى السور العظيم الذي بناه السلطان سليمان القانوني -توفى 1566م- حول البلدة القديمة لبيت المقدس حتى يوفر لسكان المدينة ولمسجدها الأقصى الحماية والأمان، وهذا المشروع الذي كلف خزينة الدولة الأموال الطائلة، وكان يمكن للدولة العثمانية أن تغض الطرف وتترك بيت المقدس بلا سور يحميه، خاصة و أن الخلافة العثمانية كانت في عز قوتها ومجدها.
 

والاحتمال في أن يتعرض بيت المقدس لأي خطر كان منعدماً، لكنها بَرَكَةُ بيت المقدس ومكانه المتقدم في نفوس خلفاء الدولة العثمانية ما دفعهم لتحصيل الأجر والثواب من خلال الاهتمام بثاني المسجدين وقبلة المسلمين الأولى. كما سعى هذا السلطان لحل مشكلة كبيرة، كانت نقص مضاجع السكان في بيت المقدس، ألا وهي مشكلة نقص المياه المزمنة في المدينة، وعمل هذا السلطان على حل هذه المشكلة من خلال حفر البرك الشهيرة والمعرفة ببرك سليمان، وقام بمد القنوات لإيصال المياه الى المدينة المسورة.
 

وهذا في الحقيقة نذر يسير من الأعمال الجليلة التي قام بها هذا الخليفة وهل بيته من في بيت المقدس. ولم يتوقف الحال عند هذا الخليفة، فقد سعى معظم خلفاء الدولة العثمانية الى إظهار الاحترام والتبجيل لبيت المقدس وللمسجد الأقصى، وقاموا بإجراء الإصلاح والتعمير للأبنية المنتشرة في ساحات المسجد الأقصى وأضافوا إليها، كما عملوا على تثقيف أبناء بيت المقدس وتعليمهم من خلال إنشاء المركز التعليمة من مدارس ومعاهد علم، وإيقاف العديد من الأوقاف المنتشرة في ربوع الخلافة العثمانية على هذه المراكز والمعاهد.
 

ولنا أن نرى كذلك، أن العثمانيين عندما شعروا في المراحل الأخيرة لحكمهم لبيت المقدس بأن هناك خطراً يتهدد هذه المدينة، وأن هناك مخططات تحاك لها ولمسجدها، قام الخليفة عبد الحميد الثاني (1842-1918م) بربط بيت المقدس مباشرة بمركز الحكم في الدولة "الباب العالي" وجعل الإشراف على هذه المدينة مباشراً من خلال رأس الدولة، وهذا في الحقيقة من جانب من جوانب الاهتمام للخلفاء والسلاطين العثمانيين ببيت المقدس.
 

في الأخير، لا يمكن لصاحب عقل أن ينكر فضل العثمانيين واهتمامهم ببيت المقدس ومسجده الأقصى، إضافة إلى اهتمامهم بالأماكن الأخرى المقدسة في فلسطين. وأن من ينكر هذا التبخيل والاحترام والاهتمام كمن ينكر وجود الشمس إذا حجبتها السُحب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.