شعار قسم مدونات

دور الجهاد في فكر البنا ودعوته (1)

blogs-حسن البنا

من المناسب الحديث عن الجهاد في هذه الأيام، خاصة مع انتشار الجماعات القتالية الجهادية، وتعدد رايات الجهاد، واختلاط مفاهيمه، وتداخل ميادينه، وتشوه معانيه.. حتى أصبح الجهاد عند كثير من المسلمين قبل غيرهم -للأسف- رديف الدموية والعنف والقتل والجريمة والإرهاب.
 

فكيف كان الأستاذ حسن البنا -رحمه الله- وهو رائد العمل الإسلامي الجمعي الشمولي، ومجدد العهد بين الأمة ودينها، وساهم من خلال جهوده في تحقيق حضور الإسلام في واقع الأمة، وبين شبابها، وفي كثير من مؤسساتها، فحافظ على مظاهره، وأعد جيلاً من شباب الأمة يحملونه ويبلغونه، وأسس مؤسسات تحيي مواته بين الناس، كيف كان – رحمه الله- يرى الجهاد في سبيل الله؟ وما هو دور الجهاد في فكره ودعوته؟!
 

جعل اللإمام البنا الجهاد هتافاً رئيساً يهتف به الإخوان في لقاءاتهم وتجمعاتهم وأنشطتهم المختلفة، حتى يستقر في القلوب، وتألفه الآذان، وتستوعبه الأذهان.

حضور دائم:
حين يقدر لأحدنا أن يطلع على تفاصيل حياة الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله، أو يطالع ما كتبه من رسائل دعوية، أو ما جمع مما قاله في أحاديثه الخاصة والعامة، أو مما نقل عنه ممن عاصروه وعايشوه وواكبوا جزءاً من حياته الدعوية الحافلة.. يدركون حقيقة تلك المكانة العظيمة التي كانت (للجهاد) في نفس هذا الرجل وقلبه.

ولا يتردد لحظة واحدة في الإقرار بأن (الجهاد) كان أحد أهم مقومات هذه الشخصية الدعوية العظيمة، تشهد لذلك الكثير من المظاهر والأدلة، التي تحكي قصة نفس تواقة للحياة في سبيل الله، قصة نفس لم تحدث نفسها فقط بالجهاد في سبيل الله، بل سعت لإحياء فقه هذه الفريضة، وترغيب الشباب بها، وتحبيبها إليهم.
 

مظاهر وصور:
ومن المظاهر والصور الكثيرة التي تنتصب شاهداً على حقيقة ما نذهب إليه:
أولاً: جعل الجهاد أحد أركان البيعة العشرة، ويقول في ذلك "أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: الفهم والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة "، وأراد بالجهاد التأكيد على هذه الفريضة العظيمة، وأنها ماضية إلى يوم القيامة، مبيناً أن أول مراتبه إنكار القلب وأعلاها الجهاد في سبيل الله وبينهما جهاد اللسان والقلم واليد والكلمة.
 

ثانياً: جعل الجهاد هتافاً رئيساً يهتف به الإخوان في لقاءاتهم وتجمعاتهم وأنشطتهم المختلفة، حتى يستقر في القلوب، وتألفه الآذان، وتستوعبه الأذهان، وفي هذا يقول بعد أن تحدث عن الجهاد: "وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم: (الجهاد سبيلنا) و(الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)".
 

ثالثا: اتخذ للجماعة شعاراً وعلماً عبارة عن مصحف يحوطه سيفان، كتب تحته عبارة ( وأعدوا ) إشارة إلى الآية الكريمة : " وأعدوا لهم ما ستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".
 

رابعاً: خصص إحدى رسائله (للجهاد) بيّن فيها فرضيته وذكر مجموعة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن الجهاد وثم تحدث عن حكم الجهاد عند فقهاء الأمة، ثم أجاب على سؤال: لماذا يقاتل المسلم، وبين أوجه الرحمة في الجهاد، وجلى الأمر فيما يشاع حول الجهاد الأصغر والأكبر، وختم الرسالة بنداء حار لإخوانه تحدث فيه عن الموت وصناعته.
 

خامساً: وفي الميدان فقد كوّن الكتائب، وجهز المجاهدين الذين كان لهم شرف الجهاد في فلسطين، فقد اهتم البنا بقضية فلسطين واعتبرها قضية العالم الإسلامي بأسره ودعا إلى الثورة والقوة والدم، في مواجهة التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة الإسلامية ودعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947م ونادى بالجهاد في فلسطين؛ "حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة"، وقال:"إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها".

سادساً: تأسيس النظام الخاص، أو التنظيم الخاص: وأراده رحمه الله أن يكون النواة لتشكيل قوة حقيقية للتصدي لليهود والإنجليز، حيث كانت قناعته أن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يتركوا مصر ولا فلسطين، ومع شعوره بضعف الحكومات العربية وهزال الجيش المصري في هذا الوقت كان هذا حافزًا آخر لتكوين "النظام الخاص"، حيث كان التأسيس وليد فكر مشترك بين الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وبين حسن البنا.
 

بعد قضية تزويد الجيش المصري بأسلحة فاسدة، تيقن البنا من عدم جدية الدول العربية في القتال، وأنها تخضع لرغبات الدول الاستعمارية.

سابعاً: الجهاد العملي: دعا البنا إلى عقد أول مؤتمر عربي من أجل نصرة فلسطين، وجمع التبرعات للحركة الجهادية الفلسطينية، ومن الوسائل التي ابتكرها إصدار طابع بقيمة قرش وتوزيعه على الناس. آمن البنا بالحل باستخدام القوة، وبدأ البنا بإرسال شباب الإخوان من مصر إلى فلسطين في بداية الثلاثينيات خلسة، حيث تسللوا من شمال فلسطين شاركوا مع عز الدين القسام، ودخل قسم من الإخوان تحت قيادة الجيوش العربية التابعة لجامعة الدول العربية، وبلغ مجموع الإخوان المسلمين الذين استطاعوا أن يدخلوا أرض فلسطين بشتى الوسائل عشرة آلاف مجاهد، وقاموا بنسف مقر قيادة اليهود وقاتلوا في مدينة الفالوجة.
 

بعد قضية تزويد الجيش المصري بأسلحة فاسدة، تيقن البنا من عدم جدية الدول العربية في القتال، وأنها تخضع لرغبات الدول الاستعمارية وقال حينها "إن الطريق طويل والمعركة الكبرى معركة الإسلام التي ربينا لها هذا الشباب لا تزال أمامه، أما إسرائيل فستقوم، وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام". وقاد بعدها البنا مظاهرة في مصر خرج فيها نصف مليون شخص في عام 1947 – قبل اغتياله بسنتين – ووقف فيهم خطيباً وقال: دماؤنا فداء فلسطين أرواحنا فداء فلسطين.

بيان وتوضيح:
يذكر الإمام، رحمه الله، ما يشاع بين كثير من المسلمين أن قتال العدو هو الجهاد الأصغر وأن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، ويستدل هؤلاء بما يروى: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال جهاد القلب أو جهاد النفس" ويعلق على هذا بقوله: وبعضهم يحاول بهذا أن يصرف الناس عن أهمية القتال والاستعداد له، ونية الجهاد والأخذ في سبيله.
 

ثم يناقش هذا الأثر بهدوء وثقة فيقول: "فأما هذا الأثر فليس بحديث على الصحيح، قال (أمير المؤمنين في الحديث) الحافظ ابن حجر في تسديد النفوس: "هو مشهور على الأسنة وهو من كلام ابراهيم بن عبلة"، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر، على أنه لو صح فليس يعطي أبداً الانصراف عن الجهاد والاستعداد لإنقاذ بلاد المسلمين ورد عادية أهل الكفر عنها، وإنما يكون معناه وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص لله في كل عملها. فليعلم .
 

ثم يختم الإمام الشهيد المسألة بقوله: "ولكن شيئاً لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يقتل أو يقتل في سبيل الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.